سميرة عزام: صورة امرأة
د. يوسف حطيني
يستطيع المرء أن يتبين في قصص سميرة عزام التي تتناول قضية المرأة صورةٍ محددة المعالم لتحرير المرأة العربية . فالكاتبة تصور أحوال المرأة المختلفة : منحنية أمام قسوة الحياة ، خاضعة لبأسها وبؤسها ، مستسلمة للزوج المستسلم بدوره لسطوة المجتمع . كما صورتها متحدية قدرها الحالك بالقوة المحركة للمرأة : الحب، ورصدت في قلبهـا عاطفة الحب الأسمى : الأمومة من خلال نماذج متناقضة ، استطاعت الأمومة من خلالها أن تنتصر على الشهوة حينا ، وتخفق في ذلك حينا آخر .
أولاً – الخضوع للسائد الاجتماعي :
ربما كانت المرأة المستسلمة للقدر ، لوطأة التقاليد ، المنسحقة بالعلاقات السائدة هي أكثر سطوعاً في أدب الكاتبة ، فالمرأة في معظم قصصها تستسلم " لنصيبها " ، الذي جاء ، أو تنتظره حتى يجيء ، تنتظر من سيشتريها حلالاً في مؤسسة الزواج غير المتكافئ أو حراماً في أقبية شاء الفقر لها أن تبنى ، فإذا أخرجت المرأة من سلبية الانتظار إلى الفعل ، فإنها كثيراً ما تمنى بالإخفاق ، لأنها حين تبحث عن الرجل إنما تبحث عن مكملها .. عن منقذها ، عن تحقيق ذاتها من خلاله ، فهو ظلها الذي دونه لا تساوي ، فيما تراه هي نفسها ، شيئاً يستحق الحياة .
إن المرأة في قصص عزام لا تنجح تماماً في معظم الامتحانات التي تواجهها ، وما ذاك إلا بسبب ضغط السائد الاجتماعي عليها . حتى إنها تخفق في اختيار الزوج ، فالزواج في قصصها مؤسسة اجتماعية تعتمد في نشوئها على قرار لا علاقة للمرأة به ، وهـي لا يمكن أن تكون فاعلة تجاهه . وإن هي حاولت فالإخفاق نصيبها لأنها لن تواجه شريك حياتها فقط ، وإنما ستواجه من خلاله أهله وأهلها ، وصوت المجتمع الذي يقرع الآذان ، ويلغي التفكير ، بلا رحمة .
في قصة " نصيب " ( 1 ) تعرض الكاتبة نموذجاً ترضخ فيه المرأة لزواج المؤسسة الاجتماعية النفعي القائم على التراضي بين أفراد ليسوا على علاقة مباشرة به ، بديلاً من الزواج الذي يعتمد على اختيار طرفيه ، ولا يعطي المجتمع سوى صفته الصورية التي لا ينبغي له في الواقع أن يتجاوزها .
تحكي هذه القصة عن فتاة مثقفة ، ترفض أن تعترف بكلمة رجعية في قاموسها ، هي كلمة النصيب ، ولكنها حين تجد نفسها إزاء سطوة هذه الكلمة وتحاول أن تقاوم ، أن ترفض اختيار أهلها سرعان ما تستسلم لأنها " تجد نفسها مشلولة الإرادة عندما يأتي " النصيب " ، لأن " النصيب " قوة لا تقهر ، قوة أبيها وأمها و أقاربها ، قوة التربية والتقاليد ، قوة العادة ، القوة التي تلجم الفتاة عن أن تقول لا " ( 2 ) لذلك تجد صرختها : " لا . . لا أريد " ( 3 ) تموت " إذ لم يسمعها أحد ، لا الكهان ولا الناس، حتى ولا هذا الرجل إلى جانبها ، لقد ضاعت في ضجة صوت لفّ الكنيسة ، صوت هؤلاء جميعاً ، يختتمون زواجها بأنشودة العرس " بالمجـد والكرامة كللها " . . " ( 4 ).
إن بطلة هذه القصة تخفق في إبلاغ المجتمع صوت قلبها وعقلها لأنها تحمل في نفسها، بعيداً عن قشرة الثقافة التي تدعيها لنفسها ، استعداداً مسبقاً للخضوع في مجتمع لا تستطيع أن تفعل شيئاً في مواجهته . وقد بدا هذا الخضوع خلال القصة في صور مختلفة ، فالبطلة تشعر بأنها " ضئيلة أمام قوة غريبة اصطلحت أمها وصويحبات أمها علـى تسميتها بالنصيب ( 5 ) وتسأل سؤالاً تبرر به استسلامها " هل تملك أن تختار" ( 6 ) طبعاً لا لأنها لو كانت مؤهلة للرفض ، في مثل هذه الظروف الاجتماعية القاهرة ، لما سمحت لمثل هذا السؤال أن يتبادر إلى ذهنها … كذلك فإن البطلة تبرز استعدادها المسبق للخضوع من خلال ترددها ، فهي " عاشـت في الدوامـة شهراً ظلت في نصفه الأول ( الـ لا ) إلا أنها في نصفه الثـاني بـدأت تفكر "( 7 ) . . . بـدأت تناقش الأمور ، من خلال إعطاء العلاقات الاجتماعية أهمية بالغة ، إذاً فقد بدأت فـي النصف الثاني من الشهر تسمع صوت المجتمع ، لذلك فليس غريباً أن تصغي لإلحاح أمها وأهلهـا وجاراتها ، وأن تفكر " بحياديـة " بهذا الرجل ، وهذه الحيادية التي تعني التفكير في طول الرجل ووسامته وإلى أي مدى يستطيع أن يؤمن لها أسباب عيشها ، قادتها إلى أن " في الرجـل حسنـات " ( 8 ) ، وأنها إذا لم تقبله فإنها ستقضي بقية عمرها عانساً في أسرة تستعجل إزاحة هم هذه الفتاة عن كاهلها .
لقد كان قلب البطلة يخفق بجنين حب تحمله لابن عمتها الذي يحب الموسيقى ويحب المرح " فـلو عثر على الأسطوانة جديدة مثلا لحملها وجاء بها يركض إلى بيتها ،واتجه رأسًا إلى الحاكي وأدارها وراح يرقص وهـو يضج حياة " (9) .
غير أن هذا الحـب /الجنين أجهض قبل أن يكتمل نموه ،فهي من جهة تجد هذا الشاب لا يصلح للزواج بها ، تحت وطأة المنطق الاجتماعي ،وهي من جهة أخرى لا تعرف إن كان يفكر بالزواج منها ،وعندها قد يطير العصفور الذي في يدها وقد تبقى بلا زواج ! !
إن البطلة ترفض مبدئياً الزواج بابن عمتها. أو بأحد الشباب المعجبين بها من أمثاله، وهذا يعبر عن شرخ عميق في شخصيتها، فهي ترفض العلاقات الاجتماعية السائدة، لذلك فهي تفكر في رفض الرجل الذي تقدم لخطبتهـا ، وهي ترفض كـذلك ابن عمتها ، وهي تقمع حبها له ،لأنه لا يحقق ما يريده المجتمع في طالب الزواج .
وإن كانت باختيارهـا الحر تعجب ببساطة شخصية ووضوحها وبهواياته الطفلة (10) ،لـذلك يتضح أن إخفاقها يعود في جـزء منه إلى اتباع معيارين ، من قبل البطلة في تقييم الضوابط الاجتماعية التقليدية .
غير أن هذا الإخفاق لا يمكن أن نعده تاماً ،كما فعل نجيب سرور حين جعل الهزيمة طابعاً للنهايـة ، مدللاً على ذلك بمـوت صيحـة الـرفض الـتـي أطلقتهـا الفتاة (11) ، ذلك أن صرختهـا الرافضة ليست أقل من صرخة احتجاج ، " أوهـي استغاثة الغريق ، وهـو يصرخ بكل كيانـه ليجمع من حولـه الأنظار (12) " كما إنه لا يمكن للمرء أن يهمل إرهاصات الرفض التي تغلغلت في ثنايا القصة، وهـذه بعض الأمثلـة :
" وفي الليلة نفسها عادت المرأة ومعها ابنها ،وتمردت هي ،أبت أن تخرج لتستقبلهما إلا بعد إلحاح والديها (13) "
وفي حديث مع أمها
" أترفضين
_ نعم (14)
- " أمـا هي فتحب أن يكون زوجها إنساناً مختلفاً بـعض الشيء .تريده أكبر منها قليلاً ، يحفظ الكثير من القصائد الشعرية ،ويحب لوحاتها ، ويقبل أن يضع ( الفوطة ) على خاصرته ويشاركها صنع كعكة البرتقال ، أو عجة البطاطس ، ويقبلها مرة كل عشر دقائق ، هكذا كانت تتمثل ( رجلها ) ولم تعثر بعد على الإنسان الذي يمكن أن يكون كل هذا إلا ابن عمتها " ( 15 ) .
كان من الممكن ، إذاً ، أن ترفض البطلة نصيبها ، إلا أن عدم وعيها لأسباب رفضها وعياً كاملاً ،جعلها تخفق هذه المرة. ولكن محاولة الرفض هنا تمنح المرأة سمة إيجابية ، ومن يدري لعل امرأة أخرى أكثر وعياً ، وأكثر تصميماً تستطيع أن تحول الصرخة التي ماتت في جوف البطلة صرخة رفض مدوية، لا تستطيع آذان المجتمع أن تصم دونها .
وتبدو مشكلة اختيار الشريك أكثر " إيلاما " إذا كانت الأنثى تستسلم لاختيار أولي أمرها بحيادية مطلقة ، بل وببعض الاستسلام اللـذيذ ، حين يغدو الزواج أقصى طموحات الفتاة الأمر الذي يدفعها إلى ترك أوليائها يغذون السير بحثاً عن شريك لها في حياتها، ولهم في المصالح . وقصة " إلى حـين "( 16 ) مثال واضح على ذلك ، ففيهـا تخضع الفتاة اليتيمة سعاد لاختيارها عمتيها اللتين تظنان أن ابن الجيران الغني فهمي " له خاطر في سعاد "( 17 ) فيقودها ظنهما إلى افتعال المسببات والمواقف بغية إتمام هذا المشروع الاجتماعي لما فيـه (مصلحة الجميع ) . ولكن ابن الجيران الذي يشرب القهوة في بيت العمتين بعد أن تلح عليه العمة الكبرى لا يحلم بفتاة مثل سعاد ، أو لا يجرؤ على ذلك ، فهو يشرب القهوة، ثم يسافر إلى البرازيل …
إن هذه القصة تكشف صورة مؤلمة من صور النفاق الاجتماعي الذي تمارسه الطبقة الفقيرة ، في سعيها إلى تزويج الفتاة زواجاً نفعياً ، كاشفة بذلك استعداد العمتين إلى الزج بسعاد إلى أتون الصراع النفسي الطبقي ، على مذبح أحـلام الغنى المنتظر ،مهما كلف هذا السعي من افتعال عواطف زائفة ،فسعاد التي تعيش في كنف عمتيها تعودت أن تسمع صوت عمتها الكبرى كل صباح :
" ألم تستيقظ بنت الباشا ؟ما شاء الله ،تراها ستظل نائمة إلى الظهيرة ؟ ومن يكنس الشرفة ويسقي الزرع ؟ أنا ؟ " ( 18 ) .
إلا أنها حين تحولت من فتاة إلى مشروع نفعي ، اختفت هذه القسوة ليحل محلها خـوف زائف على صحة الفتاة ، وهو في حقيقته خوف نعومة يديها ونضارة وجهها ، على بضاعتها التي ستعرضها في سوق الزواج ، لذلك كان طبيعياً أن يحمل الإفطار إلى فراش سعاد ، وأن تخشى العمة عليها من الزكام ( 19 ) طوال بقاء مشروع زواجها من ابن الطبيب الثري ممكن التحقيق . ولكـن هذا الصوت الإنساني الزائف سرعان ما يعود إلى تواتره الطبيعي عندما يوجه الشاب بسفره إلى أمريكا طعنة نجلاء إلى أحلام العمتين وابنة أخيهما،وربما دون أن يدري . إذ إن سعاد عادت تسمع من جديد صوت عمتها الكبرى :
" ألم تستيقظ بنت الباشا ، تراها ستظل نائمة إلى الظهيرة ، ومن يكنس الشرفة ويسقي أصص الزرع ؟ أنا ؟ " ( 20 )
لقد كانت العمتان ، والعمة الكبرى خاصة ،تجتهدان لاختلاق كل الوسائل لتحقيق مشروعهما ، مهما خرقت هذه الوسائل القشرة الأخلاقية لبيئة سعاد التي برهنت العمتان أنهما على استعداد لخرقها . فحين ترى العمة الكبرى ابنة أخيها ، وهي تبتسم لشاب على الشرفـة المجاورة تهم أن تبادر الفتاة "بزعقـة" تجمد معها الابتسامة على شفتيها لولا أنها تذكرت أن الفتى يقف على شرفة الطبيب الثري الوجيـه ذي السيارة التي يقودها سـائق " وساكن الفيلا التي يرمقهـا المارة بحسد كثير " ( 21 )
وحين تضبط العمتان سعاد مرة ثانية تسألانها ، فيما بعد عما دار بينهما من حديث فتقول سعاد :
" سألني كيف حال عمتيك ! . وتنظر العمتان الواحدة منهما إلى الأخرى ، وتقولان فـي صوت معـاً ، - أقال هذا حقـاً ؟ ابن ناس . . ابن نـاس " (22) .
حـتى إن العمتين تزوران أم الولـد سعياً ( للحرام الطبقي ) الـذي تسميه العمة سعيـاً للحلال(23) ،ولا تتورعان عن دعوة سعاد أن تعزم " على الـولد بفنجان قهـوة "( 24) . إنهما تضعان الفتاة في تناقض وعجز مريرين ، فهي تستحي ، وهي أيضاً لا تعرف كيف تخلق المناسبة ، وهذا طبعاً " بفضل " التربية الأخلاقية الصارمة للفتاة اليتيمة التي ينبغي لها أن تحافظ على سمعة العائلة ، غير أن العمة الكبرى تحل هذه المشكلة عندما ترى ، هي وسعاد ، الفتى في الطريق إذ تصر عليه أن يشرب القهوة في بيت العمتين ، ويدخل الفتى محرجاً من نفسه أولاً ، ومن طبقته ثانياً ، فتقاليدها لا تقره على الزيارة ، لذلك يدخل بعد أن " يلقي نظـرة علـى بيتهم إن كـان هنـاك مـن يرقبـه " ( 25 ) .
ويعود سبب إخفاق سعاد في تحقيق حلمها إلى أنها ربطت هذا الحلم أساساً بحلم عمتيها ، فهي لا تحب في فهمي سوى انعكاس ظلاله على عمتيها اللتين أصبحتا أكثر وداً ، إنها ترى فيـه منقذاً لها من اليتم الذي هو سبب الاضطهاد ، الممارس ضدها من قبل العمتين وهي في كل ما يجري غير فاعلة ، بل منفعلة ، تشعر بسعادة خبيثة ، تستغل حاجة عمتيها إلى نعومة جسدها ونضارتها ، إلى أنوثتها التي هي رأس مالها في هذه المواجهة .
إنها تمارس بموافقتها الضمنية على هذا الزواج النفعي ، نوعـاً من البغاء الاجتماعي ، فهي تحقق رؤية عمتيها في احتكار جسدها ، ليباع حين تحين الفرصة ، وهي بذلك تقف إلى جانب عمتيها ، وضد نفسها . لذلك لم تحاول عرقلة هذه الصفقة ، بل إنها عندما أدركت سر التدليل المفاجئ " تمـددت في فراشها في تـراخٍ ، وابتسمت ابتسامة خبيثة " (26) . وشكرت فهمي في نفسها لأنـه خلصها من الأعباء المنزلـية .
مـن هنا نجد أن تشبيه شاكر مصطفى بطلة القصة بقطة صيد لا إنسانة من لحم ودم (27) يسهم في رسم صورة البطلة التي لم تفعل شيئاً في سبيل تحقيق أنوثتهـا إلا الانتظار ، في حين أن أي انتصار للمرأة في معركتها مع الـوجـود لا يتـحقق إلا بـالفعـل .
إن الـمرأة التي تعرضهـا عـزام في قصصهـا ، وليس في القصة السابقـة وحسب، هـي أنثـى تنتظر فريستها / صيّادهـا ، و لكنها في الأحوال القليلة التي تبحث فيها عن الشريك تنطلق دائماً من دونيتها ، مـن عجزها عن مساواة هذا الشريك إذ إنها تلجـأ إليـه ليرقى بها ليحقق لها ذاتها وطموحاتها وإنسانيتها ، لذلك تبدو في بحثها عنه اتكاليةً إلى أبعد الحدود ، تكتفي من معركة وجودها أن تظفر بشريك تلقي بنفسها بين ذراعيه ، مطمئنة إلـى أنـه يستطيع مواجهة الحياة ، بدلاً من اختيار شريك يشاركها في مواجهتها . وتحكي قصة ، " الظـل الكـبير "(28) حكاية الفتاة من هذا الطراز ، لا ترى في نفسها أكثر من ظلّ لرجل عظيم . إنها حكاية فتاة مثقفة تبحث عن شريك " غير عـادي " يليق بها ، وبثقافتها ، ترفض بعد تجربة مريرة خاضتها في الماضي مع رجل " عـادي " الكثيرين الذين تراهم أمامها ، وتلفظ كل واحد منهم بكلمة واحدة " عـادي . . . عـادي "(29) ، حتى تصل أخيراً إلى رجل غير عادي :
" سمعته مرة يحاضر ، وكان ساحـراً مسيطراً ، وهـو يستعين على فكره بإشارات مـن يدين أنيقتين " (30) ، وقد حاولت أن تثبت لهذا الذي يحاضر في الفلسفة أنها الوحيدة التي اهتمت بأن تفهم فراحت تناقشه في أثناء المحاضرة ، وبعد انتهائها ، وفي محاضرات أخرى ، هادفـةً من كل ذلك إلى إقناعه باختلافها عن الأخريـات ، ساعيـة إلى خلـق فـرصة يـدعـوهـا فيهـا إلى بيته لتثبت لـه أنـه " في حضرة امرأة رأسمالها أكبر من عينين حلوتين " (31) . وعندما كان لها ذلك راحت تجهز نفسها للقاء المفترض أن يكـون خالصاً لوجـه الفلسفة ، " فـاختارت أكثر أثـوابهـا أنـوثة "(32) ! ! . غير أنهـا مـا تكـاد تصل بيتـه ، وتجلس على أحـد المقاعـد حـتى يضـع يـده علـى كتفها ويدني رأسه من رأسها ويهمس لها " هـل جئت حقاً لأحدثك في الفلسفة ؟ لماذا تزعجين رأسك بالسفسطات التي أحشو بها كتبي ، أتسمحين ؟ " . ووضع راحة يده اليسرى خلف رأسها ، وأهوى على فمهـا يقبلـه "(33) .
إن الفتاة في هذه القصة تختلف عن بطلات قصص سميرة عزام ، فهي مثقفة تقرأ الفلسفة ، وترى نفسها واثقة من استطاعتها مواجهة الحياة ، وترفض أن تمنح قلبها وجسدها لإنسان غير عادي (34) .
غير أن الصفعة التي وجهها المحاضر إلى قلبها وعقلها معاً تعيدها إلى قفص الأنوثة ، وتحطم كل الصفات التي ادعتها لنفسها ، فسير القصة أثبت أن ثقتها بنفسها لم تكن في محلها ، وأنها – في إبراز تفوقها على الأخريات تمارس نوعاً من التعويض عن شعورها بدونيتها ، وأنها – شأنها في ذلك شأن معظم الفتيات – عادية في أن تتمنى الحظوة بشريك غير عادي غير أن من اختارته لم ير فيها أكثر مما رأى فيها حبيبها السابق غير المثقف : وجبة دسمـة لا أكثر .
في هذه القصة تتناول عزام المرأة من زاويتين مختلفتين ، فهي تحكي عن المرأة التي تنقاد دون وعي حقيقي للطعم الذي يعـده لها الرجل ، وهي تظن بنفسها أنها حصلت علـى صيد ثمين ، وهي أيضاً تحكي عن الرجـل الذي يفتعل الوقار ليخبئ خلف مظهره الثقافي الزائف الرغبات البدائية التي لم يحسن تهذيبها بعد ، والسبب في نجاحه وإخفاقها فيما خطّطا له لا يعود إلى ذكائـه ، بقـدر ما يعـود إلى وهمها الذي ينطلق من شعورها بالدونية والتبعية ، لرجـل ظنت أنه عظيم فحاولت أن تكون ظلاً كبيراً له ، ولكنها لم تستطع أن تكون حتى ظلاً باهتاً لرجل شرقي ، بكل ما تعنيه شرقيتـه ، فهي تقرأ الفلسفة لا لتفهم ، بل لتصبح جديرة بجلساته (35) ، وهي في جلساته لا تهتم بأن تفهم إلا لكي تلفت انتباهه إلى أنهـا تفهم ، باحثـة في ذلك عن الأثر " الـذي يمكن أن تخلفـه واحـدة مثلها في واحـد مثلـه "(36) . إن الدونية هنا تتجلى في أوضح مظاهرها فبطلة " الظـل الكـبير "(37) تسائل نفسها هل تستطيع واحدة مثقفة ، ولكنها من عموم قطيع النساء ، أن تـؤثـر في رجل مثقف ليس من عموم قطيع الرجال ، إن البطلة تنجح في التأثير فيه ، ولكن نجاحها المـؤقت ينتهي إلى اقتناعها بأنـه لا يختلف عنهم ، بعد أن أثبتت له أنها جديرة أن تلقي بنفسها بين ذراعيه وكان هذا هو هدفها الخفي : أن تستخدم ثقافتها في خدمة نزوتها ، وإلا فكيف نعلل اختلاقها الفرصة لكي تمكنه من دعوتها إلى بيته ؟ وكيف نعلل ارتدائها أكثر أثوابها أنوثة وإثارة في جلسة خالصة لوجه الفلسفة ؟
إن اعتراض الفتاة لم يكـن على القبلـة في نهاية المطاف ، بل على الطريقة الفجة التي قبلها بها دون مقدمات " لقـد انتصرت نيتهـا المستترة بـأسرع ممـا تـوقعت " (38) ولكنهـا كـانت تفضـل طـريقـة " أكثر رومـانتيكيـة " (39) تليق بالمثقفين من أمثاله وأمثالها ، والأهم من هذا أن اقتناع المرأة بأنها تختلف عن الأخريـات ، ببحثها عن تفـرد زائف ، كان سبباً آخر لهزيمتها ، لأنه ليس تفرداً إيجابيـاً أولاً ، فهو تفرد ينطلق من شعورها بالدونية ، و لأنه ثانياً يلجأ إلى الحل الفردي للخروج من الأزمة (40) ، وواضح أن البحث عـن الخلاص الفردي عـاجز عن حـل مشكلات المرأة التي تصورها عزام ، أو حتى عن الإسهام في حلها .
على أن هـذه الدونية التي تجسدت من خلال ارتباط المرأة بمنقذها / الخارجي لم تكن شكلاً وحيداً ، فهناك أيضاً الدونيـة الـتي تجسدهـا المـرأة في صعوبـة مواجهتها مع أنوثتها / الداخلية ، فالمرأة تشعر أنها آثمـة لكونهـا / امرأة .
وقصة " أريـد مـاء " ( 41 ) يمكـن أن توضح هذا النوع من الدونية ، والاستسلام للعنـة الجنس ، في إطـار الاستسلام الشامل للعـادات والتقـاليـد ، والقـدر الذي رسمه المجتمع ، رجالاً ونساء ، للمـرأة فـلا تستطيـع منـه فكاكـاً .
هذه القصة تتناول مفترقـاً خصباً مـن تاريخ المأساة النسويـة ، مفترقـاً كانت سميرة من القليلات اللواتي تحدثن عنـه ، فهذه القصة تتحدث عن مأساة لحظة البلوغ ، وعقابيلها ، لدى المرأة من خلال طفلة تبلـغ حديثاً عتبة النضج الجنسي ، وهي تعمل في خدمة الـديـر ، إنها تخاف من طوفان الدم الذي قالت عنه الأخت مارتـا :
" إن عليهـا أن تتوقعـه مـرة كل ثـلاث أسابيـع " (42) ، وتشعر الطفلة المرأة أنها في سباق مع الخطيئة ، تتلخص أزمتها الآنية بأنها تناولت القربـان مع زميلتها دون أن تكـون طاهرة ، وهذا ما لا تقره الشرائع . . . تشعر بالإثم مع أنها لا ذنب لها فيمـا يحدث لقـد سألتها صديقتها الكبرى إن كانت تستطيع أن تشارك في أكل القربان فقالت بكل ثقة : نعم ، معتقدة أن الطوفان الأحمر قد انقطع ، ولكنها بعـد ساعتين تكتشف وهمهـا ، فتصعق وتحـار بين الاعتراف بعدم طهارتها ، وهـذا يعني تعرضها لسخرية صديقاتها وخاصة سلوى سليطـة اللسان التي ستستغل الفرصة وتعيرها بأنها امرأة وبين أن تأكل القربان مع زميلاتها ويحسم النظام الصارم الأمر لصالح الخيار الثاني .
وإذ ذاك تصل إليها رسالـة من أسرتها ، تنبئها بمـرض أخيها ، فتقرر أن تنتحر بـواسطة الأسبرو ، تكفيراً عن خطيئتها ، وإنقاذاً لأخيها ، ولكنها لا تجد الماء الذي هو رمـز الحياة ، لتمارس فـي حياتها موتها المـازوخي ، فـتبقى ظـمأى إلى الماء . . . وإلى طفولتهـا المفقودة .
إن هذه القصة تتناول لعنة النضج لـدى المـرأة ، ونكوص المرأة عن مواجهتها ، عن مواجهة الطوفان الأحمر الـذي يشكل إعلانـاً صارخاً عن النضج ، وما ذاك إلا بسبب التربية الاجتماعية والدينية إذ يسهم المفهوم الديني خاصةً للطهارة سبباً مهماً ، حيث ربطت المرأة طوفانها الأحمر بالامتناع عن أداء واجباتها الدينية ، فـلا اقتراب من الهيكل في المسيحية ، ولا صلاة ولا صيام في الإسلام ، وليس المقصود هنا طبعاً مهاجمة المفهوم الديني للطهارة ، وإنما ارتباط هذا المفهوم لدى المرأة ، وفي ذهنها ، بانقطاعهـا عن أداء واجباتها الدينية مما أدى إلى نكوصها عن مواجهة طبيعتها الأنثوية، فالفتاة تتمنى في هذه القصة إخفاءً لإحدى لوازم طبيعتها ، أن تكون هناك وسيلة أخرى لإعلان البلوغ ، تستطيع كتمانها في نفسها ، لذلك فهي تصرخ ، دون صوت ، بألم حقيقي ، " تعساً لمن تخلق أنثى . . . أما عن سبيل غير الطوفان دمغـة للجنس " (43) .
إن الخطيئة الأنثويـة هنا تحرم الطفولة من براءتهـا ، وكذا كانت خطيئة المـرأة في عهود الطفولـة البشرية ، وفي القرون الوسطى أيضاً حين بلغت ذروتهـا في الأفكار الكنسية " حين أصبحت المـرأة رمز الشيطان والرجس والدنس واللعنة الأبـديـة ، وفي هذا التصـور لم تعد المرأة الأرض والأم الـرؤوم مبعث الحياة ، بل صارت تنشر الموت الروحـي إثماً وخطيئة في جنبات الكون " (44) ، وتمارس الفتاة هنا دونيتها / انسحاقها ، تحت وطأة السائد الشخصي والجماعي ( 45 ) ، فعلى المستوى الشخصي تحس بأفضلية الذكر داخل أسرتها الصغيرة ، من خلال أخيها فريد الذي رافقت ولادته طقوس البهجة ، حيث نحر خروف على العتبة ، وانطلقت زغرودة تعبر عن الفرحة بقدوم ذكر جديد إلى الأسرة . وعلى المستوى الجماعي تخضع الفتاة في انسحاقها إلى موروث جنس المرأة عامة ، فهي ترى نفسها واحدة من القطيع الأنثوي ، وصديقاتها يرينها واحدة من قطيع الناضجات جنسياً ، لـذلك ليس غريبـاً أن تسأل نفسهـا " كيف لا تخجل كبيرات البنـات من صدورهن "( 46 ) ، وليس غريباً أيضاً أن تود " لو تنشق الأرض وتبتلعها " ( 47 ) فذلك أهون عليها من قول إحدى صديقاتها " دعنها وشأنها يا بنات لقد أصبحت امرأة " (48) وواضح أن القصد من لفظـة امرأة هنـا تحقيري ، يضم المـرأة الجديـدة إلى مجموعتها الملعونة منذ كانت الأنثى .
ولكن مع كل هذا الاستسلام لوطأة السائد التاريخي والاحتماعي والديني ، تواجه الفتاة قدرها بالأحلام الملونة بالحياة ، بدلاً من الموت القبيح ، وبالعودة إلى الطفولة .
فهي تتمنى في أثناء سعيها للانتحار أن تشعر بها إحدى صديقاتها النائمات وتمنعها من الإقدام على خطوتها المجنونة : " تباً لهؤلاء البقرات أما من واحدة تشعر بها ، تحس بأنها ستموت دون أن يقول لها أحد ( لا ) ؟ودون أن تستيقظ منى أو …أو حتى سلوى "( 49 ) وثمة أمنية أخرى تجيش في نفسها ، أمنية حبيسة في نفوس الكثيرات ،هي أن تتخلص من هـذه اللعنة التي سرقت منها أمن طفولتها ( 50) ، وما ذلك إلا لأنها " لا تريد أن تصبح امرأة ، يزعجها أن تكبر،تريد أن تحتفظ بالقدر الأدنى من المساواة التي تستظل مرحلـة الطفولة " ( 51 ) .
إنها تنسحق تحـت وطأة نضجها ، بخلاف الذكر الذي يستقبل بلوغه بكثير من الاعتزاز، وللمقارنة نستطيع أن نأخذ قصة " المرأة الثانية " ( 52) حيث لا تمنع صفعة خال فاطمة على خد الفتى الذي قبلها،من أن يجرب القبلة مرة ثانية على خد صورة لفتاة أرستقراطيـة( 53 ) .
إن قصة الفتاة التي تسعى ، ولا تسعى إلى الانتحار ، هي باختصار صرخة يأس مدوية ، ولكنها لا تحدد آفاق الأنوثة في كل قصص سميرة عزام ، و إذا كان جـورج طرابيشي قد جعل قصص سميرة عزام النسوية تنضح بعبارة " تعساً لمـن تخلـق أنثـى " حيث تنحصر خيارات أنثـى عـزام ، وفقا لطرابيشي ، في الانهزام والانتحـار ، أو النضال اليائس في سبيل التحـرر ( 54 ) ، فهناك نمـاذج نسوية ساطعة في قصص الكاتبة تمثل انتصار المرأة في الحب وفي ممارسة أمومتها ، بالإضافة إلى المرأة العاملة ، والمرأة المناضلـة التي تقف إلى جانب الرجل في معارك التحرر الوطني ، كما سنرى فيما بعد .
ثانياً – جسد بـلا روح :
ولعل النماذج التي مرت سابقـاً ، والتي تنحصر في استسلام المرأة لقدرها المجهول تحت وطأة السائد الاجتماعي تعد آفة اجتماعية أهون شرا إذا ما قورنت باستسلام المرأة بضغـط من ظروفها ، لقدر بائس يسوقها إلى سوق النخاسة ، حيث يصبح جسدهـا نهباً لطالبي اللذة المحرمة ، مقابل دريهمـات تدفع لتسكن كبرياءهـا الجريح .
ولقد كان إحجام المرأة عن مواجهة ذاتها ، بهذا النكوص الأخلاقي ، موضع اهتمام سميرة حيث عرضت البغي من خلال خمس قصص تناولت ثلاثة نماذج .
يصور النموذج الأول المرأة التي تضطرها ظروفها المعيشية إلى احتـراف البغاء هادفة من وراء ذلك إلى كسب لقمة العيش ، وإن كانت مغمسة بـذل الخطيئة . ويختلف هذا النموذج عن النموذج الثاني في أنـه يعرض الظروف التي قـادت المرأة إلى الخطيئة ، في حين يحتفي بتصويـر حياة البغي النفسية ، دون التعرض للأسباب التي كانت وراء دفعها إلى هـذا الطريق ، وأما النموذج الثالث ، وهو أكثر النماذج طرافة وإثـارة للاشمئزاز والألـم ، فهو يصور العلاقـة الجنسية الخاطئة بين الزوجين ، حيث يدفع الزوج ثمن جسد زوجته في لحظة نزوة ملحة ، لينحط بهذه العلاقة المنظمة التي تحفظ كرامة الزوجين إلى درك البغاء . وتفصيلاً للنموذج الأول الذي تـدفـع فيـه المـرأة تـحـت ضغط لقمـة العـيش إلـى مهـاوي الـرذيلـة يمكـن أن نـأخـذ قصتي " حكـايتهـا " ( 55 ) و " لأنـه يحبهـم " ( 56 ) ، لنلاحظ ولــع الكـاتبة بإثـارة التفاصيل الصغيرة الـتي تبدو أكثر جـلاء في القصة الأولـى ، في محاولـة منها لإقناعنـا بالـدافـع الإنساني / الأخلاقي الذي دفـع المرأة إلى السير في مسلك بعيد كل البعد عن الأخلاق الحميدة .
تحكي " حكـايتهـا " ( 57 ) قصة صبية لم تجد من يأخذ بيدها ،ويدفعها جوعها وجوع أخيها إلى البحث عن عمل ويوماً بعد يوم تسقط الفتاة ، بعد أن تنهكها لعبـة القط والفأر ، وبعد أن تعجز عن إيجاد عمل بديل ، فريسة للمعلم الذي سرعـان ما يلفظها ليتلقفها جحيم أسود ، دون أن تجـد في حيّها من يعـذر أو يبرر أو يطلب الستر ، ولتصبح في مواجهة أخيها الذي ربته بكدح " صباهـا " وقد جاء باحثاً عنها كي يقتلها انتقاماً لشرفـه المهدور .
لقد أرادت الكاتبة من هـذه القصة تبيين الظروف المعيشية العامـة التي تقـود النقيات الطهورات إلى حياة الدنس ، بعد أن يـأسن من الحياة السويـة التي لا تتجسد فيهن إلا فـاقـة وجوعـاً .
إن نمـوذج " المـومس الفـاضلـة " الـذي أرادت عزام أن تطرحـه من خـلال " حكـايتهـا "( 58 ) موضوع ضمن سياق اجتماعي يتصف بالفقر المدقـع ، حيث لا يستطيع هذا النموذج تجاوز ظرفـه الاجتماعي هذا إلا بالخطـأ . فالانتقال من ظـرف معيشي سيئ جـداً ، إلى ظرف آخر يحقق الحد الأدنى من الكفاف يبدو من خلال القصة غير ممكن ، إلا عبر المرور من بوابة البغاء . فالمشكلة أنه ليس للصبية خيار سوى البحث عن اللقمة ، ودونها تقف عقبات كبيرة ، تتمثل في خوف يتخذ طابعين متنافرين خوف على / الداخل / على نفسها وأخيها الذي غدا / خارجاً / فيما بعد ، وعاد بعد أن قسا عظمه لممارسة طقس غسل الشرف الرفيـع بالدم ( 59 ) ، وخوف من / الخارج / من صاحب المعمل ومن عوض الذي حمل خبرها إلى أخيها، ومـن الحي الذي تسلت نسوتـه بأحاديثهـا وأخيراً من أخيها الذي عـاد ، بعد أن صار رجـلاً ، لا لينشلها من فقرهـا وجحيمهـا ، بل ليقتلهـا وعندهـا تنتهي إلى المقبـرة وينتهـي إلى السجـن ، بينمـا يظـل المحـرضون على الجريمتين ( عوض ، صاحب المعمل ، المجتمع ) خارج السجـن يبحثون عن ضحايا جـدد .
إن تركيز الكاتبة على الظروف المعيشية التي قـادت الصبية إلى الـزلل ، ومحاولة إظهار التعاطف معها ، همـا محاولة لإظهار سقوط الصبية ، وكأنه نتيجة حتمية لا تستطيع منها فكاكاً . فالكاتبة تشير أولاً إلى أن افتقاد المعين في كون موحش أسهم إسهـاماً فعالاً في قيادتها إلى " قـدرهـا المحتـوم " . فالصبية هربت من لمعلم في المرة الأولى إلى أخيها الصغير الذي لم يفعل شيئاً سوى مشاركتها في البكاء (60 ) ، بوصف هـذا البكـاء هو الرد الوحيد الممكن على تحكم البرجوازية بالطبقة الفقيرة . والكاتبة ، ثانياً تذكر أن البطلة جربت أن تعمل عملاً آخر بعد تعرضها لمضايقات المعلم ، ولكن هذا البحث ، في حقيقة الأمر لم يكن كما يبدو في القصة ذا طابع تصميمي ، إذ سرعان ما ترتد الصبية عند أول عقبة تصادفها في عمل آخر ( 61 ) لتعود إلى معملها ومعلمها الأكرش ذي الابتسامة الخبيثة والشفتين الشرهتين . غير أن هذه الظـروف لا تقنع تماماً ، وان كانت تثير تعاطفاً كبيراً مع البغي ، إذ كان على البغي أن تبحث بجدية أكثر عن عمل آخر ، وألا تكتفي بأول باب يوصد دونها ، وللمـرء أن يتسـاءل هـنا كيف سـيتحول المجتمع الفقير ، إذا كـان الفقر سيـقود نصفـه المؤنث إلى البغاء ! ! وعلـى الرغـم مـن ذلك فـإن الـكاتبة تلـح عـلى هـذه الفكرة وتؤكدها من خلال لوحة البغي في قصة " لأنه يحبهم " ( 62 ) حيث تحتـرف الفتاة البغاء بعد استشهاد أخيها ، قائلـة لزبونها الفلسطيني الذي فوجئ بصورة أخيها الشهيد في غرفتهـا : " لم يكن لنا سواه ، ولما ماتت أمي في هجرتنا لم يبق أمامـي إلا هذا الطريق "( 63 ) . ويسوغ راوي القصة وصديقه هذه الخطيئة بل يخافان ، منذ تلك اللحظة ، من البيوت التي يرشح الإثم من مصابيحها " فقـد كـان من الممكن أن تنتهي إليها بعض أخواتنـا لو لم يخطئنا رصاص اليهـود "( 64 ) .
وتتصارع البغـي في هـذا النموذج قوتان متضادتان ، فهي في " حكايتهـا " ( 65 ) على سبيل المثال تحقد وتحب : تحقد على المجتمع المتمثل في صاحب المعمل والزبائن وأهل الحي وعوض الذي تستعلي عليه في حمـأتها ، وتغلق في وجهه بابها المفتـوح لكل الناس وهي بالمقابل تحب أخاها ، العاطفة الوحيدة النظيفة في قلبها ، لذلك فهي تخاف عليه أكثر مما تخاف على نفسها (66)، وقد ذكرت القصة / الرسالة عدة مواقف تشير إلى هذه العاطفة النظيفة " أجـل . . أنا لا أشفق على نفسي بقدر ما أشفق عليك . . على العاطفة الوحيدة النظيفة قي قلبي ، على عمرك الغض تخنقه جــدران السجن اللزجـات " ( 67 ) .- " وعذبني شوقي مرة فعزمت علـى أن أراك، وحملت بعض الهدايا ، وما أن بلغت المكان حتى وقفت حائرة أمام الباب المغلق ، ولم أدر كيف أدخل ، وماذا أقول ، ومن أطلب ، فألقيت باللفافة التي أحملها من النافذة ، ثم عدت لا ألوي على شيء "( 68 )
- " وهذا المسدس الأخرق خذه وبعه يا صغيري .. واشتر لنفسك قميصاً يستر أكتافـك العاريـة " ( 69 ) على الصعيد الاجتماعـي تحكم البغي حاجتها إلى بيع قـوة عملها للمالك البرجوازي الذي لا يكتفي بهذه القوة ، بل يفرض على المرأة ظروفاً أخلاقية غير مقبولة ، تجد نفسها مضطرة إلى قبولها ، وإن أي منطق يحاول حرف هذه القصة عن شرطها الاجتماعي هـو من يتصف بالسذاجة (70) إنها قصة تشير إلى "الشرط الاجتماعي الذي ينتج المرأة .. المومس ، والشرط هنا يتهم الفقر ، لكن المجتمع الذي نسي الفقر فيتهم ( * ) المرأة ، فكأن الشر قائم فيها ، أو كأن تصفية الشر لا تنجز إلا بتصفية المرأة الضحية ، وعندها تكتمل دائرة الاضطهاد وتنعدم المرأة بين قطبي الجوع والشرف المهـان " ( 71 )
النموذج الثاني من نماذج البغي التي تعرضها الكاتبة ، هو نموذج لا يعرض الظروف التي أنتجت المومس ، وإنما يلجأ إلى التشريح النفسي لشخصية البغي ، إذا يعرضها إنساناً من جسم وروح وإن كانت روحها لا تستطيع الظهور في الحضور المحموم للأجساد اللاهثـة ، وهنـاك قصتـان تتـدرجـان في هـذا النموذج ، همـا قصتـا "الفيضان "( 72 ) و " مـن بعيـد " ( 73 ) .
تعرض قصة " الفيضـان " ( 74 ) حياة بغي على لوحة العمق النفسي الداخلي دون أن تعطي أهمية كبيرة للظروف المعيشية والاجتماعية التي قادت هذا البغي إلى منزلقهـا الأخلاقي تبدأ الحكاية من " رمـزيـة " المـوجـودة في المبغى الذي لم تـخرج منه إلا لفترة زواج قصير ة ، عـادت بعـدهـا إلى هـذا الفـم الأسود / الغول شأنها في ذلك شأن الكثيرات اللاتي تزوجن ، " ولكـن مـا تكاد تغيب وجوههـن عن زقـاق الخطيئة حتى يعـدن إليه ( 75 ) " ، بعـد أن يـرميهـن الأزواج الـذين سرعـان ما يصمون آذانهم عن سماع صوت ضميرهم الإنساني الذي قادهم إلى الزواج ، ليستمعوا إلى صوت المجتمع الذي يعيب عليهم زيجات كـهذه ، إلا أنـه – أي المجتمع – لا يمـانع في التهام أية بغي في فرصة تسنح بعيداً عن أعين شهود الاتهام 0
في جو نفسي محبط ، تعرفه الشقيات ويعشنه ، تسمع رمزية من المذياع عن فيضانات تغرق بلدتها التي هجرتها ، فتبكي من بعيد على مصير أهلها ومعارفها وللمفارقـة فإنها تتمنى أن يأتي إليها أي زبون لينتشلها من إنسانيتها المعذبة،على الرغم من أنها تكره الذين يأتون لأنهم خنازير قذرون و وسخو الأظافر، وإمعاناً من الكاتبة في إضفاء السوداوية على مصير هذه البغي فقد جعلتها تنتظر باكية دون أن يأتي إليها أحد .ولعل ما ينقذ هذه القصة من سوداويتها المطلقة ، هو أن الفيضان" ينفجر في ذاكرتها طلقة مضيئة تعيد حنينها إلى مدينتها القديمة،حيث كان لها الانتماء البدائي البسيط،والرابطة الاجتماعية الإنسانية الخام "( 76 ) .
تمثل هذه القصة عودة البغي عن الحقد الطارئ الذي يكتنف علاقاتها إلى الفطرة الإنسانية ، غير أن هذا الحقد ، بفعل ضغط المجتمع الذي لا يسمح للبغي بالتوبة أصبح أسلوباً للحياة لا تغيره إلا وخـزة مؤلمـة في ضميرها الذي آثرت لـه أن ينـام وأن تنام معه ، أو حتى تموت هربـاً من الإنسانية الطارئة المـؤلـمة . . فـأية مـأساة تلك التي تجعل الفطرة الإنسانية القائمـة على المحبة مظهراً طارئاً ، بينما تجعل الحقد ديدنـاً للحياة ؟ !
إن مشاعر بطلة هذه القصة " تصبح أكثر شمولاً فتمتد لتتعاطف وتتواصل مع مجتمع مدينتها طرابلس التي ألقاها مجتمعها إلى مجتمع الشقاء في بيروت ، شعرت بالانتماء ووجدت هويتها المضيعة وبكت بدموع غزيرة لحالها وحال مدينتها المنكوبة "( 77 ) . وتكشف هذه القصة أيضاً عن وحشية المجتمع وقسوته ، داخلاً وخارجاً، فداخل المبـغى تتعرض البغي للاستغلال المادي البشع الذي تتصف به صاحبات دور البغاء "نقود ؟ من قال أن مثلها يعرف نعـمة الدرهم ووراءها شخصية كأم نعمة ( 78 ) "0
أمـا خارج المبغى / في المجتمع / فـإن الباب مغلق دون توبتها ، إذ يرفض الرجال توبة البغي وهـم نفسهم يتوافدون إليها إرضـاءً لشهـواتهم ، فاضحين بـذلك ازدواجيـة المجتمع في ضبط المعـايير الأخـلاقيـة . إن هـذه القصة ليست مجرد قصـة " غانيـة تنتظر زبونـاً في ليلة ماطـرة دون أمـل "( 79 ) ولكنها قصة العذاب الذي تتعرض لـه البغايا في عالم عزام القصصي ، حيث عذاب الضمير ، وقسوة المجتمع وخيبة الأمل في إيجاد طريـق لا يؤدي إلى المزيد من الرذيلـة .
وتبـدو الازدواجيـة في ضبط المعايير الأخلاقية في المجتمع ، حين يظهر الرجل عبـداً للبغي في السر ، وسيداً لها وجـلاداً في العلانية ، وقصة " من بعيد "( 80 ) مثال آخر على هذه الازدواجية ، والفرق الأساسي في قصتي " الفيضـان "( 81 ) و " مـن بعيـد "( 82 ) هو أن الأولى تتناول البغي من الـداخل ، أما الثانية فتنطلق من الخارج ، إذا تتحدث عن شاب فلسطيني ، يرسله والـده من قطاع غزة ، الذي لم يكن محتلاً بعد ، لدراسة الطب في بيروت ، وهنـاك يتعـرف إلى بغي تحبـه ، ممـا يـدفعهـا إلـى الإنفـاق عليـه ،حين يقطع والـده الفقير عنه المساعدة ، ولا تبقى لـه إلا المساعدة الهزيلة التي تقدمها وكالة الغوث . وحين يتخرج طبيباً لا يجرؤ ، حفاظاً على مركزه الاجتماعي المرموق ، على دعوتها إلى حفلة التخرج حتى لا تفضحه . . ولكن البغي تأتي دون دعوة ، لا لتحرجه بل لتطمئن على نجاحه ، غير أنه ، ما إن يحس بوجودها حتى يتفصد عرقاً ، وحين يستلم شهادة تخرجه تطفر منه نظرة تجاهها، فيراها تغادر دون أن تأبه بالحفل والمحتفلين .إنها قصة تكشف وجهاً آخر من أوجه النبل الإنساني لدى البغي التي يقتلهـا اغترابها عن فطرتها ،لذلك فهي تحب حباً صادقاً ، تمنح قلبها شاباً جاءها في المرة الأولى إلى المبغى ، دون أن يعرف ما الذي يمكن أن يفعله هناك ، حيث عطفت عليه عطفـاً ليس من مستلزمـات مهنتها ، وحين رأت فيـه إنساناً يحكي لها عن دنيا لا تحلم بها ، ووسيطاً بينها وبين عالم مجهول بالنسبة لها ، أحبته ووقفت إلى جانبه حين هدد العوز مستقبله التعليمي ، فراحت تنفق عليه من كد جسدها وهو يصمم أن يعيد لها ما أنفقت عليه ، فهولن يسمح لابنـة مواخير أن تكون ذات أياد بيضاء عليه ، غير أن ابنة المواخير هذه، حين تغادر الحفلة ، تثبت له أن حضورها لم يكن لاستشارة الجبن المخبوء في داخله ، إنما كان لكي تطمئن على نجاحه ولتظل جندياً مجهولاً .
ويبدو الشاب الفلسطيني في هذه القصة بوجهين متضادين :
1- الوجـه الإنساني / الفـردي الـذي تـمثل في شعوره الداخلي بأن فتاة المبغى أسهمت في صنع نجاحه ، لذلك فقد كان ينوي أن يزورها بعد انتهاء حفل التخرج ليشكرها ويقبلها قبلتين .
2- الوجـه القبيح / الاجتماعي الذي يتمثل في خضوعه للمجتمع ، وللأعراف التي لا تسمح له أن يعترف بعلاقته بها ، إذ يستحضر حضورها كل الجبن الأخلاقي فيه " وتثور مخاوفه من افتضاح المصدر ( الوضيع ) للمعونة التي مكنته من إكمال الـدراسة "( 83 ) ، كما يستحضر كل الحقد الجماعي في نفسه ، فيتساءل لاعناً شاتماً : " لمـاذا أتت هـذه المجنونة ، ألا تدري أن هـذا المكان هو آخر ما يجدر بها أن تتطاول إليه ؟ ( 84 )
إن المومس الفاضلة في هذه القصة كما يرى د. فيصل دراج " تتحـدد كمعصية يتم اقترافهـا في الظلام ، فالحوار معها ، والاقتراب منها يتم في السر البعيد ، أما في ساحة الضوء ، وأمام شهود المجتمع فالحوار مستحيل ومحرم ، والاقتران هوان ( للأنـا ) وازدراء للمجتمع ، أي أن الاعتراف بإنسانيتها لا يتم إلا في حال غياب الشهود "( 85 ) .
والحق أن هذه النظرة إلى البغي بوصفها جسدا ينهش بعيداً عن أعين الشهود تبدو أقل إثارة للاشمئزاز من نظرة الرجل إلى زوجته بوصفها الشيء ذاته ، إذ تستحيل الزوجة مومساً في لحظة نـزوة عـابرة . وقـد تعرضت سمـيرة عـزام تعرضاً ذكيا لهذه القضيـة في قصة " الثمـن " ( 86 ) ، وهي قصة تصور امرأة تنتظر زوجها حتى وقت متأخر من الليل ، وهذه الليلة قصة كل ليلة منذ ست سنوات ، فأمسياته لم تكن لها ولولديهـا بل للخميرة الهولنديـة والسردين الدانيماركي . ولأؤلـئـك الذين يخـلقـون النقـود .
إن زوج بطلـة " الثمـن " ( 87 ) من رجال الأعمال الذين يعقدون الصفقات وهم يشربون نخب راقصة شقراء من بنات الشمال .
حيـن يعـود الزوج إلى البيت ، بعد منتصف الليل ، تتظاهر الزوجة بالنوم ، ويحس ـ وهو جائع إلى جسدها – بأنها تفتعله افتعالاً ، فيمسك بها من كتفيها ويضغط حتى يوجعها فتفتح عينيها ، لتسمح لدمعتين أن تطفرا منهما ، ولأن الزوج متعود على دفع ثمـن أجساد النساء فقد أعلن عن استعداده لدفع ثمن جسد زوجته حين تصر على عـدم الاستجابـة لـه ، فيقـول : " نعمت . . ما هو ثمن المعطف الذي قلت إنه أعجبك . كم . . . ألا تجيبين . . مائتـان . . أربعة . . .تريدين المزيد..خذي ، خـذي " ( 88 ) تصور هذه القصة وجهاً من أوجه " الـدعـارة الـزوجيـة " – كما يحب عفيف فراج أن يسميها – ذلك أنها تتحدث عـن " تملك فردي لجسد الأنثى بالـزواج ضمن شروط القهر الاقتصادي والاجتماعي الأيديولوجي "( 89 ) ، فالزوج يحب زوجته في الفراش ويطلبها بغض النظر عن استعدادها الجسدي والنفسي ، ويغريها بالمال إذا تمنعت ، ولكن الزوجة تزداد منه نفوراً ، وله احتقاراً فما تريده هو عواطف صادقة ، لا يمكن لأوراق النقد أن تقوم مقامها . وثمـة قصة أخـرى للكاتبـة يقـابـَل فيها العاطفي الأنثـوي بـالمادي الـذكري ، فالزوجة في قصـة " الـذكـرى الأولـى " ( 90 ) تحضر الشمعدان والمفرش الأحمر ، والأزهار والمائدة ، في الذكرى الأولى لزواجها غير أن زوجها نسي المناسبة ،وهي لا تريد أن تصدق ذلك، إذ يظن هذه التحضيرات لضيوف قادمين ، وحين يدرك سبب التحضيرات يحاول أن يخدعها ، والمسكينة تحاول ألا تفسد المناسبة بظنونهـا ، علـى الرغم من أنه لم يحضـر لها أية هدية ، وقد زعم أنه فضل أن يعطيها " صكاً على بياض " : " و أما هديتي فصك على بياض تملئينه برقم يرضيك ، ولا يأكل الرصيد المتواضع كله "( 91 )، وحين تحدث نفسها ، قد يكون صادقاً ، يثبت لها بما لا يقبل الشك أنه نسي المناسبة حين يتلكأ ، وهو يكتب الصك عند خانة التاريخ ويسألها : " مـا هـو تـاريخ اليوم يا حبيبتي ؟ "( 92 )إنه إذاً لا يعرف تاريخ اليوم ، وهذا يعني أنه كان يخدعها حين زعم أنه يعرف المناسبة ويتذكرها ، وهو ، فوق خداعه ، يقابل فيضها الوجداني بصك على بياض !!
ثـالثـاً – المـرأة منتصرة :
يمثل ما تقدم صورا مختلفة للمرأة المضهطدة في عالم سميرة عزام القصصي ، يجمع بينهـا كـون المرأة مستسلمة لظروفها ، خاضعة ، لا تسعى إلى تحقيق شرطها الإنساني ، مهما كانت القيود التي تغلها ، غير أن الكاتبة لم تقف عند هذا الحد ، بل قدمت أيضاً آفـاق الحل الذي رأتـه في أحد طريقين :
1ً- طريـق الحب ، إذ يبدو الحب في قصصها القوة السحرية المحركة للمرأة ، فإن هي حافظت عليه ، وعلى اقتناعها بحقها فيه فإنها تستطيع أن تضع قدمها على صراط التحدي الذي سيقف في وجه السائد الاجتماعي .
2ً- طريق الأمومة ،إذ تجد الكاتبة في الأمومة منجاة لبطلات قصصها من اضطهاد المجتمع لهن ،.إذ تمارس أمومتها ،بفعل إرادتها الحرة ،التي يعود نجاحها إلى عدم تعارضها مع التصور الاجتماعي .وتخالف سميرة بهذا التصور الآراء التي رأت أن الأمومة تغل المرأة ولا تحررها .
في قصة "الأشياء الصغيرة "( 93) يظهر الحب بطلاً طوطمياً يحطم كل ما حوله من تقـاليد . إنها قصة فتاة تزهد بمواعظ أهلها ، وهي تريد أن تعيش لذلك الشيء الذي يملأ وجودها وهي لا تريد أن تعي أو تفعل شيئاً مما سيقوله المجتمع ، فكلّ " ما تعقله وتعيه وتشعره (*) إحساس جديد بالحياة " ( 94 ) ولا تعود أهمية الشاب الذي تحبه الفتاة في هذه القصة إلى صفات شخصية بل إلى قيمة اعتبارية : إنه رجل نموذج،رجل فكرة ، رأس ماله قلبه المحب. وانطلاقاً من إيمان البطلة / الكاتبة بهذا الرجل النموذج تسير القصة دون تعثر إلى نهايتها المظفرة .
إن التحدي هو السمة الأساسية التي تتسم بها الفتاة ، فهي تدير ظهرها لشرطها الاجتماعي الذي هو أهلها ومجتمعها ، لتغلب عليه عاطفتها الشخصية / الحب الذي اختاره قلبها رغماً عن أبيـها وأمها وعـمتها العانس ومعلمـاتها ،"وليـذهبـوا إلى إبليـس جميعــاً " ( 95 ).
صحيح أن هذا التحدي كان ينطلق بوتـائر مختلفة ، حيث يتدنى أحياناً ليصل إلى مستوى الحيرة وإلى شعور الفتاة بأن " وقوعها في الحب ضعف "( 96 ) مما يتجسد قلقـاً وتوثباً في آن معاً ، وصحيح أيضاً أن عقـدة الـدونيـة الجنسية التي يزرعها المجتمع تأخذ شكل المكابرة العاطفية ، غير أن الفعل ، الذي هو الأهم ، أكد انتصار الحس العاطفي المرهف على " فضيلـة الكـبت " وقد اتخذ ذلك مذاقاً جديداً استشعرته الفتاة ، وملأت رئتيها من هوائـه .
إن الحب في هذه القصة لا يرقى إلى مرتبة النضج ، تبحث فيه الفتاة عن فتى أحلامها على طريقة الأفلام السينمائية ، غير أنه استطاع أن يحرر البطلة من رواسبها الاجتماعية غير الأصيلة في شخصيتها ، فهي حين تتردد وتتذكر رزانتها ، إنما تحدث نفسها بصوت أهلها ومجتمعها :
" ولم تنسَ مـرة أنهـا ليست كالأخـريـات ، وأنها كما تقـول أمهـا وأبـوهـا وعمتهـا العانس نسيج خاص " ( 97 ) . وحين يتحول الرفض إلى فعل حقيقي يمنح الفتاة فرصتها لتعيش حياتها كما تشتهي ، ويمنح القصة نهايتها المتفائلة : شفتاه على شفتيها دافئتان رقيقتان . وقلبها ينبض بإحساس جديد بالحياة .
إن القوة السحرية التي يمتلكها الحب في القصة السابقة هي ذاتها التي تطرحها عزام ، وإنْ بسياق مختلف في قصة " حلم من حرير " ( 98 ) ، فهي تطرح الحب مخرجاً من العذاب الذي تعانيه الشخصية الفقيرة التي تعمل في بيئة غنية . إنها قصة فتاة تحلم بثوب من الحرير ، يبلغ ثمنه ضعف مرتبها الشهري في المكان الذي تعمل فيه ، حيث تقص أظافر الزبونات الغنيات ، وتغبطهن على لبسهن وعلى تصفيف شعورهن ، لأنها تدرك أن وراء هذه الأناقة مواعيد ومواعيد . أما هي فمواعيدها مع منصور الذي أحبته وأحبها ، وهي تريد شراء الثوب حتى يراها أكثر جمالاً وأنوثة ، ولا يخلصها من هذا الشعور بالحرمان إلا رؤية منصور ، وقد غدا أكثر أناقة ، وأحلى رجولة في قميص ( الكاكي ) الذي يلبسه (99) .
تغير سعاد في هذه القصة بفعل الحب اقتناعها بأهمية المظهر الخارجي ، حتى تدير ظهرها لهذا المظهر . فالأناقة والرجولة اللتان رأت سيماهما على منصور لم تكونا إلا نتيجة قوله لها ، وهي تنظر إلى الثوب الحريري : " هـه . . لعلك تفكرين بشرائه، رويدك يا صديقتي ، وإلا ففتشي لك عن واحد من غير الذين لا تتعرف عليهم الأناقة إلا بالبذلات الأمريكية المستعملة . " ( 100) .
إنهما انتصاران كاملان حققتهما المرأة بفضل تضافرها مع الرجل في القصتين السابقتين ، أمـا قصة " القارة البكر " ( 101 ) ، فتتناول الكاتبة فيها المرأة من جانب آخر فهي تضعها هذه المرة بكامل عنفوانها في مواجهة رجل يعدها فتحاً نسائياً ينضاف إلى فتوحاته الكثيرة ، لتنتهي المواجهة بنصف نصر ونصف هزيمة للمرأة وبهزيمة كاملة للرجل .
إنها قصة فتاة تتحدث مع خطيبها " المثقف " بشجاعة وجرأة كبيرتين ، فتخبره أنها أحبت رجلاً قبله ، محاولة تعرية قشرة الثقافة ، والتحرر التي يدعيها لـنفسه ، ولجم طموحاته في الاسترسال بأحاديث من المتوقع أن يحكيها لخطيبته عن نساء أحببنه ، وهي في كل هذا تستفزه ، وتستفز فيه حقيقة نظرته إلى المرأة ، تلك النظرة التي يخبئها خلف ثقافته . هي ذي ترد على سؤاله " ألا يهمك ماضيّ ؟ .
– ستتحدث إلي بنفسك عن هذا الماضي دون أن أطلب إليك ، ستنبش كل صغيرة وكبيرة فيه . . وحتى لو لم يكن هناك ماضٍ فسيسعفك خيالك بأقاصيص كثيرة " ( 102)
إنها تستثير حفيظته وتتهمه بالكذب ، باختراع قصص يرويها عن مغامراته العشقية ، ليرضي غروره ، وليتمتع بطريقة سادية بغيرتها عليه ، وليحافظ على مركزه الذكري .
فهو خلافـاً للمرأة ، لا يخاف العشق .
ولكن الرجل يقف هذه المرة أمام امرأة مختلفة ، تريده أن يعترف بها كلاً لا يتجزأ ، فتعري بحديثها الجريء مـعه منطق الرجولة الذي يحصر حق التجريب العاطفي في الذكر .
تعالـج هذه القصة " أوهام الفروسية الشرقية ، وخيالات الغزو والفتح ( فالذكر ) فاتح مكتشف يبحث باستمرار عن ( قارته العذراء ) التي لم يطأها إنسان قبله ، وإن ساوره الشك في عذرية أرضه فإنه لا يلبث أن يهجرها باحثاً عن أرض جديدة " ( 103 ) . . ولكن القارة / الأرض هي التي ترفضه هذه المرة . . إنها تنتصر عليه ، على صلفه وكبريائه ، فتمنيه بهزيمة قاسية ، إلا أن نصرها لم يكن كاملاً ، ذلك أن مطلبها لم يتعدَ مساواتها بالرجل فهي تبحث عن الصفات التي يحسد عليها الرجال ، لا عن تميزها بوصفها امرأة جاهلة بذلك إن نصر المرأة يكون بتحقيق أنوثتها ، لا ( ذكورتهـا ) ! ! .
وسبق أن أشرنا إلى أن الحب والأمومة كانا مخلصين للمرأة في قصص سميرة عزام من هزائمها المتلاحقة بسبب خضوعها لسطوة الرجل ، وانسحاقها بها .
وقد رأينا كيف استطاع الحب أن ينتصر للمرأة ، فهل استطاعت الأمومة كذلك أيضاً .
بدهي أن تحقيق الأمومة يحظى في ظروف مجتمعنا بفرص نجاح أكثر من تحقيق الأنوثة ، فتحقيـق الذات الأنثوية غالباً ما يصطدم بالرجل والمجتمع ، أما تحقيق الأمومة فليس ثمة من يعارضه ، أو ينافس الأم عليه في الظروف الطبيعية .
وقد دعت الكاتبة إلى عدم التفريط بالأمومة استجابة لنداء الجسد والحياة البراقة ، وبلغ تأكيدها على دعوتها حداً جعلت فيه المرأة تمارس نوعاً من " التبني الوهمي " تجاه أطفال روضة مجاورة ( 104 ) .
وسنعرض هنا ثلاثة نماذج تناولت قضية الأمومة ، نجاحاً أو إخفاقاً ، من خلال قصص
" مات أبـوه " ( 105 ) و " أمومة خيرة " ( 106 ) و " العيد من النافذة الغربية " ( 107 ) .
يموت الأب في قصة " مـات أبـوه " ( 108 ) فتـبكيه الأم والابن دمـوعاً غـِزاراً ، غير أن العام سرعان ما ينقضي ، ويأتي العام الجديد ، حيث تلح الجدة على الأم أن تنسى ما هي فيه ، وتغيض دموع المرأة ، فتوافـق على الزواج تاركـة الصغير لجدته ، بعد أن تقبله ثلاثـاً وعشراً .
هكذا يشب الصغير على كره أمه التي فضلت زوجاً غريباً ، ينظر إليه كلما زارها نظرة باردة ، غير أن الأم تفجع بموت زوجها الجديد ، فتحمل ابنها الآخر ، عائدة إلى ابنها الأول ، لتجد أمامها شاباً يرحب بها وبأخيه ، ناسياً كل ما فعلته به ، وهنا تنقلب الأمومة المنهزمة إلى بنوة منتصرة ، لا تستطيع أن تنسى نداء الدم ، مما يعيد الأم إلى جادة الصواب بعد فوات الأوان .
إن الكاتبة تريد هنا من خلال الدرك الذي وصلت إليه الأم ، بسبب أنانيتها ، أن تحذر من مصير مشابه لأية أم ترفض وظيفتها الطبيعية وتنتصر بها . وهذه الدعوة إلى الأمومة مبثوثة أيضاً في قصة " أمـومة خـيرة " ( 109 ) إذ تدرك الأم الأرملة ، بنظرتها الموضوعية ، أن الخاطب القادم سينتهي بها ، في الغالب ، إلى ما انتهت إليه أرملـة " مات أبوه " ( 110 ) وإلى ما انتهت إليه أمها التي خاضت تجربة مخفقة وتبينت " أن قلب الزوج أضيق من أن يتسع لها وحدها ، ونفسه أسقم من أن تكون سمحاء كريمة ، ويده أبخل من أن تنبسط لأولاد ليسوا لـه " ( 111 ) .
لقد عانـت الأم في طفولتها من قسوة زوج أمها ، ورأت شبح الغد يتهددها ويتهدد طفليها لذلك حملت رسالة التفاني إلى النهاية .
إن هذه القصة تصور صراعاً مريراً يغتلي في ضمير الأم ، فإما أن تختار المـوافقة على هذا الخاطب الجديد الذي لا يأتي إلا وفي يمينه باقة زهر لها ، وفي يساره حلوى للصغيرين ، فتكون بذلـك قد سمعت نداء أنوثتها ، ونداء حاجتها إلى رفيق يتابع معها مسيرة الحياة ، وإما أن تلغي أنانية شبابها ، وتكون للصغيرين فقط ، ويكون الخيار الثاني انتصاراً كبيراً لأمومتها : " هكذا قررت وانتهى الأمر . .أنها أم وستبقى" ( 112) .
وتتعرض سميرة عزام للأمر نفسه ، وإنْ بشكل أكثر تطوراً من الناحية الفنية ، في قصة " العيد مـن النافذة الغربية " ( 113 ) ، فالأم الأرملة ترفض فكرة الزواج من أساسها ، بعد أن مات زوجها ، وهي تحسم أمرها قبل أن يأتي إليها أي خاطب ، آخذة بعين النظر كل الظروف التي من المحتمل أن تجبرها على الزواج ، وتلك العاطفة المشبوبة تجاه زوجها الراحـل ، وتجاه طفلها . وهي تكتفي بلوم زوجها لأنه مات لوماً رقيقاً ومؤثراً : " الذين يموتون لايدركون أن الإحساس بالموت في نفوس الذي يخلفونهم هو أقسى من موت كامل . .لو كان يدري أنها محسوبة على الأحياء لأنها ما زالت مستطيعة أن تشرب وأن تنام وتصحو لفكّر مرتين قبل أن يموت " ( 114) .
إن الأم تعتمد هنا على إيمانها بالتجدد ، والاستمرار ، تتعلم من الطبيعة أن الحياة " لا تموت إلا جزئياً لأن في قلبها بذرة التجدد " ( 115 ) ، من هنا فهي ترى في ابنها امتداداً لوالده . فالأب ولد من جديد في صورة ابنها ، وكذلك تجدد شجرة التين وأشجار اللوز والمشمـش والبرتقال ولاداتها ، وبذلك يغدو الموت " واهباً للحياة أكثر من كونه آخذاً لها " ( 116 ) ، وتغدو الهزيمة التي تعرضت لها المرأة نتيجة موت زوجها بداية نصر جديد ، فتفتح نافذتها الغربية للأمل وللصغار .
هكذا نتبين من خلال ما تقدم أن سميرة عزام أعطت المرأة العربية جزءاً كبيراً من اهتمامها ، ويبدو ذلك من خلال عشرات القصص التي تحدثت عن قضيتها ، ويستطيع قارئ عزام أن يستنتج رؤيتها لتحرير المرأة ، تلك الرؤية التي لا تعد الرجل قامعاً أساسياً للمرأة ، إذ يبدو الرجل والمرأة خاضعين في قصصها لظروف قهر شديدة ، وهذه الرؤية الكلية ميزت الكاتبة من الأديبات اللائي يحاولن تخليص أنفسهن من قيد الذكر بدلاً من التضافر معه من أجـل كسر قيودهما معـاً ( 117 ) .
$ $ $
هوامش الفصل الأول:
( 1 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 79 – 92 .
( 2 ) طرابيشي ، جورج : الأدب من الداخل ، دار الطليعة ، بيروت ، ط 2 ، 1982 ، ص 9 .
( 3 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص 92 .
( 4 ) المصدر نفسه ، ص 95.
( 5 ) نفسه ص ص 81- 82 .
( 6 ) نفسه ص 86 .
( 7 ) نفسه ، ص 84 .
( 8 ) نفسه ، ص 88 .
( 9 ) نفسه،ص 86 .
( 10 ) نفسه ،ص 86 .
( 11 ) سرور، نجيب: الظل الكبير لسميرة عزام ، مجلـة الآداب ، بيروت ، العدد 3 (آذار ) ، 1956، ص34.
( 12 ) نشأت ، بدر : حول كتاب الظل الكبير ،مجلة الآداب ، بيروت ،العدد 5 (أيار) ،1956 ، ص79.
( 13 ) عزام ،سميرة : الظل الكبير ،ص 83 .
( 14 ) نفسه، ص84 .
( 15 ) نفسه،ص ص87-88 .
( 16 ) عزام ،سميرة : أشياء صغيرة ،ص ص27-39 .
( 17 ) المصدر نفسه ،ص 30.
( 18 ) نفسه ، ص ص 29-30 .
( 19 ) نفسه ، ص 29 .
( 20 ) نفسه ، ص 39 .
( 21 ) نفسه ، ص 31 .
( 22 ) نفسه ، ص 31-32 .
( 23 ) نفسه ، ص 33 .
( 24 ) نفسه ، ص 34 .
( 25 ) نفسه ، ص 35 .
( 26 ) نفسه ، ص 29 .
( 27 ) مصطفى ،شاكر : إلى حين ، مجلة الآداب ، بيروت ، العدد 2 ، (شباط) ، 1954 ص 77 .
( 28 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 7-17 .
( 29 ) المصدر نفسه ، ص 12 .
( 30 ) نفسه ، ص 13 .
( 31 ) نفسه ، ص ص 15-16 .
( 32 ) نفسه ، ص 9 .
( 33 ) نفسه ، ص ص 15-16 .
( 34 ) نفسه ،ص ص 11-13 .
( 35 ) نفسه ، ص 13 .
( 36 ) نفسه ، ص 14 .
( 37 ) نفسه ، ص ص 7-17
( 38 ) نفسه ، ص 16 .
( 39 ) نفسه ، ص 17 .
( 40 ) بخصوص التوسع في البحث عن حل فردي تمكن مراجعـة :
- سرور ، نجيب : الظـل الكبير ، مرجع سابق ، ص 37 .
( 41 ) عزام ، سميرة : وقصص أخـرى ، ص ص 127- 135 .
( 42 ) المصدر نفسه ، ص 130 .
( 43 ) نفسه ، ص 130 .
( 44 ) اليافي : د . نعيم : وضع المرأة بين الضبط الاجتماعي والتطور ، دراسة في شرط المرأة خلال العصور ، مؤسسة الوحدة ، دمشق ، 1985 ، ص 66 .
( 45 ) للتوسع في معرفة ضروب الشعور بالدونية تمكن مراجعة :
داكو ، بيير : المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق ، ترجمة وجيه أسعد ، الشركة المتحدة للتوزيع ، بيروت مطبعة الرسالة ، دمشق ، ط 2 ، 1989 ، ص ص 63- 64 .
( 46 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص 131 .
( 47 ) المصدر نفسه ، ص 131 .
( 48 ) نفسه ، ص 131 .
( 49 ) نفسه، ص 134 .
( 50 ) نفسه ، ص 139 .
( 51 ) فراج ، عفيف : الحرية في أدب المرأة ، دار الفارابي ، بيروت ، 1975 – ص 142 .
( 52 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 93 - 105 .
( 53 ) ستعرض هذه القضية بالتفصيل في فصل لاحق .
( 54 ) طرابيشي ، جورج : الأدب من الداخل ، مرجع سابق ، ص 80 .
( 55 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 17 – 26 .
( 56 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ، ص ص 5 – 25 .
( 57 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 17ـ 26.
( 58 ) المصدر نفسه ، ص ص 17 – 26 .
( 59 ) تمكن مراجعة :
- فراح ، عفيف : الحرية في أدب المرأة ، مرجع سابق ، ص ص 135- 137
( 60 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص 23 .
(61) المصدر نفسه ، ص 24.
(62) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ص ص 5 – 25 .
( 63 ) المصدر نفسه ص 17 .
( 64 ) نفسه ص17
( 65 ) عزام سميرة : أشياء صغيرة ص ص 17- 26.
( 66 ) المصدر نفسه ص 26.
( 67 ) نفسه ص 20 .
( 68 ) المصدر السابق ، ص 35.
( 69 ) نفسه ، ص 26.
( 70 ) يكتفي محمود شاهين ، تعليقاً على هذه القصة ، بقوله : إنها تنتهي " دون اْن تعرف ما إذا اقتنع الأخ اْم لم يقتنع ( ! ) لكن الفتاة كرست كل جهدها وصدقها وعاطفتها في الرسالة لمنع القتل " !! ، تمكن مراجعة : الحزن الدفين : دراسة في اْدب الكاتبة الفلسطينية الرائدة سميرة عزام بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لرحيلها مجلة ملحق "فتح" الثقافي ، دمشق العدد( التجريبي) 1985، ص 60.
( * ) هكذا في الأصل والصواب إسقاط الـفاء .
(71 ) دراج ، فيصل :سميرة عزام : البحث عن الإنسان و الأخلاق والوطن ، مجلة شؤون فلسطينية ،بيروت ، العدد 120 ، تشرين الثاني 1980 ، ص 132 .
( 72 ) عزام ، سميرة :وقصص اْخرى ، ص ص55 – 63 .
( 73 ) المصدر نفسه ، ص ص 137 – 147 .
( 74 ) المصدر نفسه ، ص ص 55 – 63 .
( 75 ) نفسه ، ص ص 58 – 59 0
( 76 ) فراج عفيف : الحرية في أدب المرأة ، مرجع سابق ، ص 137 وقد أكد د 0 هاشم ياغي الأمر نفسه ، يمكن النظر في :
- ياغي ، د 0 هاشم : القصة القصيرة في فلسطين والأردن (1850 –1965) مرجع سابق ص 193 .
( 77 ) طملية ، د0 فخري : المرأة في أدب سميرة عـزام ، مجلـة أفكار ، عمان العدد 81 تموز ،1986 ، ص 129 .
(78 ) عزام سميرة : وقصص أخرى ، ص 62.
( 79 ) تمكن مراجعة : شاهين ، محمود : وقصص أخرى ، الحزن الدفين… مرجع سابق.
( 80 ) عزام سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 137 – 147 .
( 81 ) المصدر نفسه ، ص ص 55 – 63 .
( 82 ) نفسه ص ص 137 –147 .
( 83 ) فراج ، عفيف : الحرية في أدب المرأة ، مرجع سابق ، ص 138 .
( 84 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص 146 .
( 85 ) دراج ، فيصل : سميرة عزام ، البحث عن الإنسان والأخلاق والوطن ، مرحع سابق ص 132 ويشار إلى أن د . هاشم ياغي قد أشار إلى الأمر نفسه ، تمكن مراجعة :
- ياغي د . هاشم : القصة القصيرة في فلسطين والأردن ( 1850- 1965 ) ، مرجع سابق ،ص 195 .
( 86 ) عزام سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 149- 157 .
( 87 ) المصدر نفسه ، ص ص 149- 157 .
( 88 ) نفسه ، ص 157 .
( 89 ) فراج ، عفيف : الحرية في أدب المرأة ، مرجع سابق ، ص 143 .
( 90 ) عزام ، سميرة : العيد من النافذة الغربية ، ص ص 5- 10 .
( 91 ) المصدر نفسه ، ص 9 .
( 92) نفسه ، ص 10 .
( 93 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 5- 15 .
( * ) هكذا في الأصل والصواب أن يتعدى الفعل بالباء .
( 94 ) المصدر نفسه ، ص .15 .
( 95 ) المصدر نفسه ، ص 7 .
( 96) غريب ،روز : أشياء صغيرة للآنسة سميرة عزام ، مجلة الآداب،بيروت ، تموز ، 1954-ص 65
( 97 ) عز ام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص 10 .
( 98 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 129 – 135 .
( 99 ) يرى جورج طرابيشي أن نهاية الأشياء الصغيرة " هي النهاية المتفائلة الوحيدة ، وستضح في الصفحات التالية أن هذا الحكم مبالغ فيه إلى حد كبير ، يمكن النظر في :
_ طرابيشي جورج : الأدب من الداخل ، مرجع سابق ، ص 101 .
( 100 ) عزام ،سميرة : الظل الكبير ، ص 135 .
( 101) نفسه ، ص ص 117 – 128.
( 102 ) المصدر نفسه ، ص ص 117 – 128 .
(103 ) دراج ، فيصل : سميرة عزام : البحث عن الإنسان والأخلاق والوطن ، مرجع سابق ، ص 133
( 104 ) يشير د . إحسان عباس إلى أن بطلتي قصة " أطفال الآخرين " لسميرة عزام تلجأان إلى نوع من التبني الوهمي ، تمكن مراجعة :
- عباس ، د. إحسان : وقصص أخرى بقلم سميرة عزام ، مجلة الآداب ، بيروت ، العدد 9 ( أيلول ) ، 1960 ، ص 35 .
( 105 ) عزام ، سميرة ، أشياء صغيرة ، ص ص 117 – 124 .
( 106 ) المصدر نفسه ، ص ص 83 – 90 .
( 107 ) عزام ، سميرة : العيد من النافذة الغربية ، ص ص 47 – 54 .
( 108 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 117 – 124 .
( 109 ) المصدر نفسه ، ص ص 83 – 90 .
( 110 ) نفسه ، ص 117 – 124 .
( 111 ) نفسه ، ص 83 .
( 112 ) نفسه ، ص 90 .
( 113 ) عزام ، سميرة : العيد من النافذة الغربية ، ص ص 47 – 54 .
( 114 ) المصدر نفسه ، ص 50 .
( 115 ) المصدر السابق ، ص 54 .
(116) Piselly ، Kathyana : samira Azzam : Auther's Works And Vision ، P. 101 .
( 117 ) يشار في هذا الصدد إلى أن رجاء النقاش رأى أن سميرة عزام تنتمي إلى مدرسة الكتابة النسائية التي تربط تحرر المرأة بتحرر المجتمع . يمكن النظر في :
- النقاش ، رجاء : سميرة عزام والأدب النسائي _ مجلة الآداب، العدد 1( كانون الثاني ) 1968 ، ص 40.