لكل الناس وطن يسكنون فيه، أما نحن فلنا وطن يسكن فينا

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

دراسة (من ق. ق. ج إلى ح. ح. مع المحبة)

من ق. ق. ج إلى ح. ح … مع المحبة[1]
رد على الأستاذ حسن حميد

د. يوسف حطيني


لا شك أن القراء الأعزاء باتوا يعرفون أن (ق.ق.ج) تعني القصة القصيرة جداً، وهو رمز ابتدعته مخيلة مناهضي هذا النوع الأدبي، لا مخيلة المتحمسين لها، أما (ح.ح) فهي تشير إلى علم القصة القصيرة في سورية الأستاذ حسن حميد الذي جرب أن يكون علماً في النقد عبر القدح والردح للـ (ق. ق. ج) وكتابها وجمهورها والمتحمسين لها.
والحق إن الصديق حسن حميد فنان في ابتداع الآراء الغريبة المستفزّة التي تثير حولها كثيراً من الكلام، وتثير هذه الآراء شهوة الكتابة لدي، ولكنني أتراجع في كل مرة لأن حسن صديقي الذي لا أتمنى أن أخسره في يوم من الأيام، ولأنني أخاف من قدرته العظيمة على التجريح، وهي قدرة أعترف بعجزي عن مجاراته فيها، ولأنه وقبل كل ذلك ابن البلد.
في مقالته التي نشرها في الأسبوع الأدبي، والتي حملت عنوان (النصوص القصيرة جداً.. والرؤية القصيرة جداً) ،ع770، 4آب، 2001 يقرر الأستاذ حميد بثقة واطمئنان أن المهرجان الأول امتاز بالإخفاق الذريع، وكأن هذا الأمر يقرره رجل لم يحضر أية فعالية من الفعاليات، فإذا سألنا عن مدى اطلاعه على ما جرى فيه أجاب: لقد تابعت باهتمام عناوين (!!) النصوص التي ألقيت. ولا يفوتنا هنا أن نشكره لأنه أضاع جهده في الاهتمام بها، فتصور يا عزيزي حسن لو أن المثقفين اكتفوا بقراءة عناوين قصصك، ثم أصدروا عليها حكماً نهائياً غير قابل للطعن.. كنا نتمنى منك أيها العزيز، العزيز حقاً، أن يحضر، وأن تنقد وأن تحاول مساعدتنا على النهوض بالتجربة التي ما تزال تعيش مخاضاَ عسيراً يزيده المتسلقون والمستسهلون عسراً، ولكنك لا تشارك في أي نشاط في المركز الثقافي الروسي، بسبب تعاطفك مع الشيشانيين، ولا حتى في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ولعلك تذكر المحاولات التي بذلناها، كأفراد لا كمؤسسات، من أجل أن تكون بيننا.
ها أنت ذا تشكو من الأسماء التي لم تنشر نصاً واحداً، ولكنها تشارك في الملتقى الثاني، وأشير هنا إلى أن اثنين وثلاثين مشاركاً من المشاركين الأربعين لهم روايات ومجموعات قصصية ودراسات، ما عدا الأسماء التي تنشر مقالاتها هنا وهناك، ثم أن هناك أسماء جديدة، ولا عيب ولا تثريب، لأن الأدب بحاجة دائماً إلى أسماء جديدة ودم جديد، فالثقافة ليست حكراً على أحد، ولاشك أنك كنت مبتدئاً في يوم من الأيام، ووجدت من يأخذ بيدك، وأنت إذ تعيب علينا مشاركة الأسماء "الصغيرة" تعيب علينا إشراك الأسماء الكبيرة، فهل تريد أن نقيم مهرجاناً يخلو من الأسماء الكبيرة والصغيرة في آن؟ ربما كنت تريد أن نلغي المهرجان ونعود إلى "رشدنا".. إلى القصة القصيرة حتى ننضوي تحت لواء أعلامها الكبار، ونحن نعرف ونفخر أنك أحد أعلامها، ولكن الساحة الأدبية تتسع للجميع، وليس ثمة علاقة إلغائية بين ما تقوله، وما نحاول أن نقوله.
وأنا هنا أريد أن أطرح سؤالاً: لماذا يشارك كتاب مثل د.رياض عصمت، ووليد معماري وفيصل خرتش ود.لبانة مشوح ود.عبد الله أبو هيف ود. قاسم المقداد بهذا الملتقى، ولماذا يلطخون (!!) سمعتهم الأدبية عبر هذه المشاركة إن كان فيها ما يعيب حقاً، وما أوراق الضغط التي نمتلكها على هؤلاء حتى نجبرهم على الحضور. هنا نؤكد أننا لم نطلب من أحد المشاركة عبر "التخجيل" والموانة، ولم نقبل يد أحد من هؤلاء.. كل ما في الأمر أننا عرضنا عليهم الأمر ووافقوا، ثم لماذا تريد يا أستاذنا الجليل أن تمنع هؤلاء من إبداء رأيهم في قضية بدأت تشغل المشهد الثقافي في سورية، ولا ينقص من شأنها تجاهل بعض الكتاب لها، أو إضرابهم عنها. أنت كاتب تسعى دائماً إلى التجديد، وفي تقديري أنك بإعراضك عن كتابة هذا اللون الأدبي الجميل الذي جربه كبار الكتاب تخسر فرصة يمكن أن تغني تجربتك. صدقني أنني أحاول أن أتعلم من الجميع، وليس عيباً إذا حاول كاتب مبدع أن يتعلم من كل من حوله.
وأنت تأخذ أيضاً على الملتقى أنه يضم حالة عشوائية، وتنتقدهم لأن الاتفاق صار معهم عبر الهاتف، وإذ أهنئك على هذه المعلومات الدقيقة، أؤكد لك أن هذا يتم في كثير من الملتقيات والندوات. كما أنك تنتقد الأسماء التي شاركت فيه (بالموانة) يعني (بالواسطة والمعرفة) متناسياً أن هناك جوائز أدبية (تعرفها قبل غيرك) وتعطى بالموانة أيضاً. وإذ تتهم المشاركين بأنك لم تلحظ لهم أية مشاركة تذكر أو "موجودية" في المشهد الثقافي فإنك تظلمهم ظلماً كبيراً، وأنت الذي تعرف ما قدمه، هذا العام بالتحديد، كل من كنفاني وابتسام شاكوش وهيمى المفتي ونور الدين الهاشمي ومحيي الدين مينو وأحمد جاسم الحسين. ومع ذلك فأنت تتساءل تساؤل المتجاهل: "هل اكتفى كتاب هذا الجنس الأدبي الصعب جداً (لاحظ السخرية يا عزيزي) بالمشاركة في المهرجان السنوي فقط"؟.
بكثير من الود أقول إننا نتمنى أن يبدي الكتاب الآراء الجريئة المنهجية والموضوعية حول القصة القصيرة جداً، وأن يسهموا في إغناء تجربتها عبر حضورهم الفاعل والمؤثر، ونحن بالتأكيد نحاول أن نلتقط السلبيات لنتجاوزها، وقد خصصنا جلسة كاملة للجمهور حتى يبدي آراءه بصراحة، وربما نستطيع من خلال هذه الملاحظات بلورة شيء جديد، وسنحاول في الملتقى الثالث أن نختار النصوص الأكثر تميزاً للمشاركة، سواء أكان كتابها من المعروفين أو المجهولين، والمهم في الأمر أن يحققوا حضوراً باهراً للقصة القصيرة جداً.
وهنا نريد التأكيد أن ليس ثمة تعارض بين القصة القصيرة والقصيرة جداً، وهما يمكن أن تتعايشا جنباً إلى جنب، وليس ثمة من يلغي الآخر، ولا يستطيع المتحمسون والمترددون والمناهضون لهذا النوع أن يعولوا على شيء آخر غير الزمن، فالزمن هو القادر على تمييز الغث من السمين وهو القادر على الانتخاب والاختيار.
همسة أخيرة في أذنك أيها الصديق: لقد قلت في مقالك القيم: "والسلبيات المعروفة لم تحول دون انعقاد الملتقى الثاني" ولا شك أنك تعرف أن "لم" تجزم الفعل المضارع بالسكون مما يفرض حذف الواو من "تحول" لالتقاء الساكنين، وكلي أمل أن لا يفسد الخلاف ما بيننا من ود، وكل ملتقى وأنت بخير.
[1] مجلة تشرين الأسبوعي، العدد 175، 21 /8/2001.