لكل الناس وطن يسكنون فيه، أما نحن فلنا وطن يسكن فينا

الأحد، 25 أكتوبر 2009

قصة قصيرة: الطابق السادس

الطابق السادس

قصة: د. يوسف حطيني
إلى دينو بوتزاتي.. روح العبقرية

كان محزناً للسيد "ف" أن يعامله الحراس الأنيقون ذوو العضلات المفتولة بتلك الفظاظة، وأن يطردوه دون أدنى شعور بالخجل؛ فالدعوة التي يحملها في جيبه تؤكد بما لا يدع مجالاً للريبة أنه المدعو الرئيسي إلى هذا المهرجان، وأنَّ كلّ المدعوّين الآخرين جاؤوا ليتضامنوا معه.
حين صار في الشارع المزدحم بأمثاله من الجياع قرر أن يمزّق البطاقة اللعينة، فمدَّ يده إلى جيبه ليخرجها، ولكنه لم يجدها، وإذ ذاك قال لنفسه فيما يشبه الهمس: لقد سرقوها أيضاً.
* * * *

بطاقة دعوة
السيد ف:
تتشرف الهيئة الدولية لحقوق الإنسان أن تدعوك إلى مهرجانها الذي تقيمه على شرفك في صالة البرج التي تقع في الطابق السابع من فندق المدينة، في الساعة السابعة من مساء يوم السبت.
وتأتي هذه الدعوة تقديراً من اللجنة لنضالك العنيد ضد كل أشكال القمع والقهر والاستلاب.








* * * *
شعرتُ بارتباك غامر عندما عند باب المصعد، لأن الرجل الطويل الأشقر دفعني بفظاظة، ودخل قبلي، ولكنني حاولتُ أن أحافظ على هدوئي على الرغم من نظرته الذئبية المرعبة، وإذ نظرتُ إلى المرآة راودني حزن هادئ، فقد أخفقتُ للمرة العاشرة هذا اليوم في رسم ابتسامة صغيرة على وجهي الحزين، مثلما أخفقت عيناي العسليتان في الاستجابة لنداء الفرح الذي باغتني عندما تلقيت تلك الدعوة..
* * * *
لم يضيّع الرجل الأشقر أية لحظة، فقد أخرج من حقيبته سكيناً وصار يطعنني بلا رحمة في كلّ مكان من جسدي.. تهاويت على أرض المصعد، والدماء الغزيرة تتدفق من صدري وقلبي ووجهي الحزين.. وعندما توقف المصعد في الطابق الأول صعد رجل وامرأة، بدوا لي عاشقين، إذ إنهما لم ينتبها إلى جسدي المسجى، فداسا عليه، وأرسلا نظرة حانية نحو ذلك الرجل الذي تقطر دمائي من سكينه، وذابا في قبلة عنيفة.
* * * *
قبل أن نصِلَ إلى الطابق الثاني هاجمني الرجل الأشقر بضراوة، وصار يركلني، وإذ ذاك ناوله العاشق مسدساً، ثم عاد إلى حضن عشيقته، تاركاً الرجل الأشقر يحطم عظام جمجمتي بعقب المسدس، ثم ينزع جلد وجهي، ويضع ذلك الجلد في عناية فائقة عند الزاوية.
- إلى أين تذهبان؟
- إلى الطابق السادس.
- هل أنتما مدعوان أيضاً؟
* * * *
في الطابق الثالث تناثرت قطع الثياب في أرض المصعد، واختلطت بدمائي، غير أن دوامة العشق استمرت في عنفوانها، وانبعثت من المكان صرخات لذة طغت على صرخات الألم التي أطلقتُها حين اقتلع الرجل الأشقر بسكينه عينيَّ، ووضعهما في الزاوية.
* * * *
توقف المصعد في الطابق الرابع، وكان ثمة حمامتان تريدان الصعود، ولكنهما ما فرّتا حين شاهدتا دمي النازف الذي لم يره العاشقان، وإذ أغلق الرجل الأشقر المصعد من جديد راح ينزع جلد وجهه وعينيه بهدوء مريب، ثمَّ مدّت المرأة يدها العارية إلى حقيبتها، وأخرجت منديلاً مبللاً، وناولته للأشقر، وعادت لتقبّل عاشقها قبلة امتنان.
* * * *
وإذ وصل المصعد إلى الطابق الخامس أخرج من جيبه علبةً، فتحها بسرعة، وصبّ منها مادة دبقة على وجهي ووجهه، وعينيَّ وعينيه، ثمَّ ألصق عينيه الذئبيتين ووجهه القاسي عليَّ، وارتدى وجهي الحزين، وغمز بعينيَّ العسليتين للمرأة الشقراء، فقامت عارية تهنئه، ثم لبس العاشقان ثيابهما، التي خلت من كل أثر للدماء.
* * * *
وفي الطابق السادس ....


8/6/2009