لكل الناس وطن يسكنون فيه، أما نحن فلنا وطن يسكن فينا

الأحد، 25 أكتوبر 2009

قصة قصيرة: سيناريوهات محتملة لموت الباشق

سيناريوهات محتملة لموت الباشق

قصة: د. يوسف حطيني



حديث المؤلف:
على الرّغم من أنني أعرف أيّها القارئ العزيز أنّ تدخّل المؤلف غير محمود عند كثير من النقّاد والمنظرين في فنّ القصة القصيرة، فقد آثرتُ أن أتدخّل في هذه القصة بالذت، لكي ألفت نظرك إلى أنّ ثمة موعظة في النهاية، أرجو ألا تفوتك، لأنك إذ تصل إليها ستشعر أنّ فَرَحاً يغمر روحك، وأن الملائكة تغسلك بالثلج والماء والبَرَد.
حديث الزوج:
تعالي يا امرأة فليس ثمة من يحصي علينا أنفاسنا.
تعالي.. فقد مات الباشق الذي كان يتربع على صدور الناس، وصار بإمكاننا أن نفعل ما نشاء، دون خشيةٍ من أن يطلَّ وجهه القبيح من النافذة، أو يتسلل طيف كابوسه من المدخنة..
لقد مات أخيراً.. وقد سمعتُ أن السيد الأعظم تشاجر معه حول طاولة البلياردو، فرماه من فوق شرفة النايت كلوب إلى أرض الشارع الإسفلتي، حيث تهشمت عظامه، وأزكمت رائحةُ دمائه أنوف الناس في الشارع المجاور.
تعالي يا امرأة.. فالليل قصيرٌ..
حديث الأرملة:
كم كنتَ طويلاً أيها الليل! لم يكن زوجي يستحق تلك الميتة: أن يجبره الباشق على شرب ليترين من البنزين، ثم يطلق عليه النار، فينفجر مثل بالون من النار.. غير أن الأيام كانت له بالمرصاد، فقد سمعتُ أنَّ طائرته الخاصة انفجرت به، مع عدد من مساعديه، فتحوّل معها الجميع كتلةً من اللهب.
كم كنتَ طويلاً أيُّها الليل!
أمَا وقد مات الباشق محترقاً بلهيب حقده، فإني أشعر أن الفجر أصبح قاب قوسين.
أشعرُ أنَّ الأيام قد انتقمت من الباشق شَرَّ انتقام، وما عليّ الآن سوى أن أنزع عني هذا الثوب الأسود، وأرتديَ القميص الأحمر الشفاف الذي يحبّه زوجي القتيل، فربما يجرؤ بعد موت الباشق، أن يزورني هذه الليلة في المنام.
حديث القتيل:
حين جاءني الملكان خفتُ كثيراً، على الرغم من أنهما حاولا زرع الطمأنينة في صدري الملتهب، قالا: إن سلطة الباشق لا تصل إلى العالم السفلي، وأكدا لي أنه فوق الأرض، ولا يجرؤ على النزول تحتها.
أمَا وقد نزل تحتَها الآنَ، بعد أن سقط في حفرة لمياه الصرف الصحي، فإن لديَّ من الأسباب ما يجعلني أشعر برعب شديد، ترى ماذا سيفعل بي الباشق إذا عرف أنني أعيش حياة أخرى متحدياً بنزينه وناره المحرقة؟
حديث المؤلف (2):
ليس مهماً أيها القارئ العزيز أن تعرف كيف مات الباشق، فالمهم أنه مات، وأنّ أطواق الياسمين ستزيّن أعناق الصبايا في مملكة الحزن والقهر والموت.
ولكن شُبِّه لهم:
إن سبب اختلاف الروايات التي ذكرها الدكتور يوسف حطيني حول حادثة موتي تعود إلى أن عدداً من أشباهي تعرضوا لمحاولات اغتيال، أمّا أنا فما زلت على رأس عملي، وإذا كنتم لا تصدقون فما عليكم إلا أن تنظروا إلى أعلى ذلك البرج..
هذا طبعاً إذا كنتم تستطيعون أن ترفعوا رؤوسكم..
أما ما قاله المؤلف حول الموعظة الفذة لهذه القصة فأنا ألفت أحذّرك أيُّها القارئ الغبيّ من أن تسبح معه في الخيال، لأنَّ الكثيرين غيره من المؤلفين تخيلوا موتي.. ولكن هذا لا يحدث إلا في القصص.
في القصص فقط..
وإذا أراد الدكتور المحترم أن يتأكّد بنفسه أنني ما زلت متربّعاً حيث كنتُ، فلينظر هو أيضاً إلى ذلك البرج، إذا كان يستطيع أن يرفع رأسه.

1/6/2009