لكل الناس وطن يسكنون فيه، أما نحن فلنا وطن يسكن فينا

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

دراسة: سميرة عزام: اللغة القصصية

سميرة عزام : اللغة القصصية
( السرد – الحــوار - الإيقــاع )

د. يوسف حطيني


نعني بدراسة اللغة القصصية تناول المظاهر ذات الطابع اللغوي في النص القصصي من سـرد وحوار وإيقاع . وتكمن أهمية مثل هذه الدراسة في كونها تبين مدى نجاح القاص في إحداث الأثر المرجوّ في نفـس المتلقي،بوصف اللغة هي وسيلة الاتصال بين القاص والقارئ .
أولاً - الســـرد :
تستخدم الكاتبة القصصية سميرة عزام اللغة السردية بشكلٍ طاغٍ على مساحة القص ، إذ كـثيراً ما تقدم تطور القصة من خلال السرد الذي لا يتخذ شكلاً من أشكال التفوق الأدبي ، إلا ما ندر ، إذ قلما تقدم الكاتبة لغة سردية ذات طابع تصويري ، وتبقى في كثير من الأحيان أسيرة التركيب الذهني الخالي من الدفقة الشعورية ، وهو أمر لم ينج منه أيضاً كتاب الأرض المحتلة ، بعيد النكبة إذ راحوا يلجأوون “ إلى طابع السرد والتصوير الفـوتوغرافي للتخلص من أزمة الشـكل القصصي الذي واجـه القصة الواقعية الفلسطينية “( 1 ) .
فـي قصة " التركة "( 2 ) ، على سبيل المثال ، تبدأ الكاتبة بالمقطع السردي التالي :
“ يجب أن نعترف أن أهل أبي ناصيف كانوا مستعجلين موته ولعل الرجل المنكود ، إمعـاناً في النكاية بهم ، قد آثر أن يطيل دور النزاع حتى تعبنا نحن جيرانه الذين لم نكن نستعجل موته أو نرجو من حياته أو مماته شيئاً “ ( 3 ) وإمعاناً من الكاتبة في استعمال الذهنية السردية كانت كثيراً ما تخضع سردها لوطأة الأيديولوجية ، حتى يكاد يخرج من إطار دفق اللغة القصصية الوجدانية ، إلى لغة الذهن ، حيث تطغى النزعة العقلية على التركيب اللغوي .
في قصة " الفيضان " ( 4 ) يرد النسيج السردي التالي :
“ لم لا يتركونها في حياتها الانسلاخية “ ( 5 ) .
فإذا كان مثل هذا النسيج يغلّ حركة القص ، فإن نسيجاً لغوياً آخر يبدو أكثر غلاً حيث تبدأ الكاتبة بما يشبه الاستعراض الثقافي الخالي من روح الجمال .
في قصة " مـامـا "( 6 ) التي تأخذ شكل رسالة يبعث بها رجل إلى مطلًّقته ، لا يذكر السياق القصصي ما يشير إلى ثقافة الرجل ، أو إلى أية علاقة له بالقراءة ، ومع ذلك فإنه يقول في رسالته عبارات مرهقة بالفكر ، ومثقلة بالأسماء مما يخدش انسجام هذا السياق :
“ وظللت أصارع العزم ويصارعني ، عشت شهراً في جحيم التردد . . ورحت أبحث عن فلسفة القوة ، فلسفة لا تعترف بالضعفاء . وجدتها في " نيتشـه " فأُسكت بها نواحي التردد في نفسي “( 7 ) .
وقـد تستخـدم الكاتبـة اللغـة التعليمية الوعظيـة ، أو الخطـابية في سردها ، فهي في قصة " الحـب والمكـان "( 8 ) التي انتهت حدثيـاً حين يرفض الكلب مغادرة البيت مع صاحبه ، ثم يشيعه بما يشبه الدموع ، تقدم ( أي الكاتبة ) شرحاً تعليمياً لموقف الكلب حيث اللغة جافة لا تضيف إلى القصة إلا التعليم الوعظي الذي يغلّ حركتها الحرة :
“ وحين كفت خطوات الرجل عن أن تكون مسموعة ، وتراوحت ابتساماتنا بين أن تكون دهشة أو مشاركة أو انتصاراً ، وانفلتت رؤوسـنا تـبحث عن تعليل ، رفع هذا
( الكلب ) إلينا عينين حزينتين معبرتين فـامّحت في لحظة كل الظلال المتراوحة بين الشماتة والانتصار ، الحائرة بين أن تفرح أو أن تأسى . . . لقد قر أنا في حزن عينيه أن معنى الأشياء مرتبط في نفسه بطبيعة المكان ، وأن هذا هو كل شيء ، كل شيء . “ ( 9 )
في قصة " إلـى حـين "( 10 ) تقدم الكاتبة أيضاً سرداً ذهنياً في النسيج التالي :
“ حسناً ، لسبب أو أكثر اعتقدت العمتان أن _ فهمي _ الابن الأكبر لعائلة الطبيب الكبير التي قطنت مؤخراً بجوارهم - " لـه خاطـر " في سعـاد “( 11 ) .
غير أن هذا السرد ، حين يتحول إلى لغة خطابية ، تستطيع الكاتبة من خلال حرارتها أن تحولها في قصة " لأنـه يحبهـم "( 12 ) إلى لغة نبوئيـة يكمن جمالها في تحريضيتها ، وملامستها وجدان القارئ العربي ، إذ يطلب الشاب الذي يقوم بإحراق مستودع وكالة الغوث أن يكف الناس عن رجم اللص والمجرم والوغد والبغي ، وأن يبحثوا عن عدوهم الحقيقي ، وعن السبب الكامن وراء انحراف هؤلاء : “ وفروا حجارتكم هذه . .وتلمسوا في ناري حياتكم الجديدة . . انظروا ها أنـذا أدوس دقيقكم بـحـذائي ، أعفّـر قـدمي بتـراب فـولكـم .. أعلمكم أنْ جـوعـوا ليتمـرد فيكـم اليـأس...لتكبروا ، تكـبروا على الرغيف الـذليـل “( 13 ) على أن هذا لا يعني أن الكاتبة حافطت دائماً في لغتها السردية على اللغة الإبلاغية ، وإنما كانت تجنح ، على ندرة ذلك ، إلى لغة سردية تصويرية ، تحقق غاية الإبلاغ ، ولكنها تقدّم أيضاً في حلة لغوية قشيبة .
في قصة " في الطريق إلى برك سليمان " ( 14 ) تستخدم الكاتبة لغة بلاغية دافئة ، ربما بسبب الموضوع الذي تناولته هذه القصة ، وهو موضوع التهجير الفلسطيني القسري ، حيث تضطلع اللغة في تكونها الجمالي ، بـدور إضافي في تعميق الإحساس بإبلاغيـات النص : “ وعاد يهز الصغير ليعيد إليه أعجوبة الحياة ، فما اختلج الجفن المنطبق نصف إطباقة على العين التي كانت حياة ، غرس لأجلها اللوزة ، وحمل البندقية “ ( 15 ) .
إن اللغة السردية هنا تلجأ إلى التصوير ، لا لمجرد كونه تصويراً ، وإنما لأنه يقدّم دلالات متعددة للنص السردي . . . وفي القصة نفسها ، حين يريد حسن أن يدفن ابنه الرضيع الذي قتلته رصاصة طائشة ، تقدم الكاتبة المقطع السردي التالي الذي تصبح فيه أوراق الشجر نجيمـات بيضاء :
“ وتطلع حواليه ثم انعطف صوب بساتين اللوز ، وظل طويلاً يحيل عينيه ليختار شجرة سخية ، قصدها وأراح الطفل تحتها ، ثم عالج أحد الغصون فكسره ، وراح ينبش به الأرض بحركة دائرية ،ما لبثت أن اتسعت للجدث الصغير . ولما غطاه بالتراب حفنة إثر حفنة ، يحملها بيديه ، وقف وهز الشجرة ، ففرشت له القبر بنجيماتها البيضاء “ ( 16 ) وفي قصة " الأعـداء " ( 17 ) نستطيع أن نلمح بعض سمات السرد التصويري ، التي تعد السخرية إحداها ، حيث توظف هذه السخرية لنقد بعض مظاهر الشكلية الاجتماعية ، تقدم الكاتبة في القصة المقطع السردي التالي :
“ وفتح باب المدير ، وأطلت التنورة التي تنحشر فيها فتاة ، واستدارت إليها العيون وبإشارة من طرف إصبعها المصبوغ قام هذا الرفيـع يتبختر “ ( 18 ) .
وفي قصة " المسافر " ( 19 ) يصبح التصوير ذا وظيفة خطابية أيضاً ، إذ يمارس دوره في رصد عواطف الأم التي سيسافر ابنها إلى البرازيل ، من خلال لغة حارة لا تنقصها الدقة والبلاغة : “ولما ركـب الطائرة ، ووقف على سلمها ، فرشت القرية عواطفها على المدرج ،وألقت أم بقلبها إلى الطائرة “ ( 20 )
-ثانياً : الحوار :
لا يعد الحوار جزءاً لازماً من أجزاء القصة القصيرة ، ولكنه حين يستخدم يستطيع أن يقـدم وظائف جمالية وخطابية في آن ، فهو يمكن أن يكشف الصفات الداخلية والخارجية للشخصية ، وكذلك وجهات نظرها في الظروف المحيطة ، كما يمكن أن “ يكشـف أيضاً الصراع بين الشخصيات،ويطوره نحو العقدة والحل”(21 ).لذلك فإن استخدام الحوار في القصة القصيرة ، حيث تبدو العيوب أسهل كشفاً ، وأظهر نشازاً ، يفترض مجموعة من الصفات التي يجب توفرها فيه حتى يكون جيداً ، كالمرونة “ في التعبير ، والتركيز الشديد ، بشكل يعبر فيه عن المعنى بجملة موجزة ، حيث يقتضي المعنـى الاقتضاب والإيجاز وبجملة مفصلة حيث يوجب المعنى الشرح والإطناب “ (22 ). وتبدو سميرة عزام قادرة على تقديم شكلي الحوار كليهما ، الطويل والقصير ، بما يتناسب مع الجو العام للقصة ، والأفق الفكري للشخصيات ، ففي قصة " نافخ الدواليب " (23 ) على سبيل المثال يقصر الحوار حيث يباغت صاحب الدراجة الصبـي ، وهو ينحني على دولاب دراجته ويفرغ هواءه ، حيث لا مكان لتطويله إذ تهتم كل شخصية بحسم الصراع بسرعة ، فصاحب الدراجة ، يريد أن يثبت للصبي أن لا فائدة من الإنكار ، وقد ضبطه بالجرم المشهود ، والصبي يحاول الدفاع عن نفسه بسرعة ، من خلال التلميح إلى أنه يملك وجهة نظر في تسويغ فعلته .
– دعني يا سيدي … أقسم بأنني ..
-بأنك ؟ لقد ضبطتك بنفسي .
-إنني …. أوه لن تفهمني لو تكلمت ..
-ماذا لديك لتقول مبرراً لهذه الدناءة “ ( 24 )
وفي قصة " عقب سيجارة " ( 25 ) يدور الحوار بين الأب والصبي الذي سيدله على قسم الشرطة فالأب يشتم المناكيد من أهل الناحية الذين أفسدوا ابنه بعد أن كان عاقلاً مهذباً :
-من هم المناكيد ؟
-أنت وأترابك
-إنني لا أجمع الأعقاب ، فلي أم تبيع الترمس وتعطيني ما أشاء .
-كلكم مفسود ، لعنتم جميعاً
-لم تسبني ؟ لن آتي معك إذن .
-تعال لعنة الله علي أنا " ( 26 )
إن الحوار هنا له ما يسوغ قصره‘ ، فالأب يريد أن يجد ابنه بسرعة ، وعليه أن يعود سريعاً إلى زوجته الماخض ، والصبي يهدد أن يترك الأب ، وكل هذا بحاجة إلى إيجـاز ، لأن الحوار هنا غرضه الإبلاغ بالدرجة الأولى ، لا الشرح وتقديم وجهات نظر محددة تجاه الآخرين والعالم . فإذا كان للحوار مثل هذه الوظيفة الإيضاحية فإنه يجنح نحو الطول . لقد جعلت سميرة عزام بطلة قصة " عام آخر " ( 27 ) العجوز أم عبود تطيل الحوار من جهتها إلى درجة كبيرة ، بالمقارنة مع السائق الملول ، وما ذلك إلا لأن طول الحوار هنا يعطي القارئ فكرة واضحة عن رؤية العجوز للماضي الذي فرّ من بين يديها فهي حين تقف السيـارة في نقطة التفتيش الأردنية ، تطـلب من السـائق ألا يدعهم يفتشون في سلها :
– إذن ، حاول يا ابني ألا تدعهم يفتحون السل . قل لهم إنني أحمل فيه لماري بيــ …
- بيضاً مسلوقاً وكعكاً بالتمر وصنوبراً وقهوة .
- وتفاحاً وبعض ملابس أولاد ،بذلة لكريم ، ومثله لإلياس وجاكيت حمراء لعبد النور ، لا أدي لماذا أجد عبد النور أحب الثلاثة إلى نفسي ، ألأن اسمه كاسم جده والد عبود .
لقد ولد قبل عام في موسم الميلاد ، فعرفنا من الإذاعة أن ماري ولدت ، أنا ما سمعـت الرسالـة ، سمعتها صديقة فأخبرتني ، فبست الأرض مرتين حمداً على سلامتها ، ثلاثة * ولادات ، وما من أحد قربها ، حماتها ماتت وأمها واحسرتي بعيدة …. سبع سنوات مرت على فرقتنا ، تركتها عروساً ، فصار لديها كريم وإلياس وعبد النور . سبع سنوات .. عمر يا ابني عمر ، وما استـطاعت أن تترك الناصرة إلى القدس لترانا ، فهي إما حامل أو نفساء ، جاء زوجها مرة فسافر ابني عبود ولاقاه في القدس فأخبره زوج ماري أن أخته غدت نحيفة ، وأن شعرات بيض قد تسللت إلى رأسها مسكينة ما آن أوان شيبها فما عمرها حتى تشيب ؟ إن من هن في سنها من البنات ما زلن بلا أزواج ، هي في السادسة والعشرين أو دونها بقليل ، أصغر من عبود ابني بعامين . . وعبود لم يتزوج بعد ، وماري صار لها ثلاث أولاد :كريم . .
-إلياس وعبد النور ، واسم الأخير كاسم جده . . و . .
عافاك الله يا ابني فذاكرتك طيبة ،إنه الشباب ، الشباب . . كنت قبل أن أشيخ وتنحني قامتـي أحفظ تواريخ أبناء الطائفة ، متى ولدوا ومتى تزوجوا ، ومتى ماتوا ، كان النـاس يسمونني الدفتر فأين أنا اليوم من زمان . . الهم يا ابني يبلد الذهن ويمسح العافية ، كنا في يافا . . أتعرف يافا ؟ كان بيننا في ( درج القلعة ) وكان لنا بيارة برتقال ثمرها لامع كالذهب ، موصوف بالحلاوة ، كنا من الأوادم ، بيتنا ( مضافة )وزوجي مختاراً ، هذه هي العادة يا ابني ، المختار يستضيف الأغراب ، وكنا نطبخ وننفخ ، وما تنقطع عن بيوتنا رجل . . يوم تزوجت ماري نام في بيتنا عشرون نفراً أو يزيد . . فراش كثير والخير من خـيرك . . وأواني النحاس كان جد عبود قد أحضرها من الشام ، فطارت الدار وطارت البيارة والفراش والنحاس . . لدي الآن فرشتان وقـدران . . وطاولة صنعها عبود قبل أن يسـافر إلى الصحراء . . وأعيش في غرفة واحدة . . إيه ، حال الدنيا . . رويدك يا ابني لقد أوجعت عظامي . . ترانا وصلنا ؟ ما تكون هذه الدور ؟ " ( 78 )
لقد تم اختيـار هذا المقطع الحـواري ، على طوله ، لأنه يحدد بعض سمات الحوار عند الكاتبة ، فالطول الذي تناسب مع حنين العجوز إلى ابنتها وإلى إثارة ذكريات الماضي ، يقابله قصر في كلام السائق الذي ملّ من سماع هذه الأحاديث ، بوصفه سائقاً سمع هذه القصص مئات المرات ،وفي هذا الحوار تبدو الصفات الداخلية للسائق النزق ، كما تبدو الصفـات الداخلية للسائق النزق ، كما تبدو صفات العجوز أيضاً مكرارة تستلذّ بالتكرار ، وكلامها يناسب أفقها الفكري ، وفيه سهولة ومتعة وإثارة لكوامن الذكريات ، عن طريق استعمال اللغة البسيطة الموحية ( سبع سنوات . . عمر يا ابني – كنا من الأوادم ، فراش كثير والخير من خيرك – إيه . . حال الدنيا ) .
ثم إن هذا الحوار ينزاح عن وظيفته الأصلية ، وهذه ميزة أخرى ، حتى ليبدو أنه غير مقصود لذاته ، لأن كلام أحد المتحاورين – ونقصد العجوز – ليس مبنياً على كلام المحـاور الآخر ، وإنما هو حوار مع الذات ، بينما لا يكـاد الآخر يمتلك بوصفه محركاً للحوار ، إلا صفة الوجود .
الحوار الأيدلوجي :
على أن الكاتبة تقع في حوارها أحياناً في فخ الحوار الفكري الجاف ، إذ تقدم وجهات نظر الشخصيات بشكل تنقصه العفوية ، بخلاف ما وجدنا في حوار أم عبود مع السائق ، ونجد ذلك أجلى ما يكون في قصة ( القارة البكر ) ( 29 ) التي تعتمد على الحوار بشكل رئيسي ، حيث الحوار هو الشكل الأوحد للنص القصصي ، مما يكاد يخرجها من فن القصة .
في هـذه القصة يدور الحوار بين شاب يدعي الثقافة ، وخطيبته التي تحاول أن تزيل عنه قناعه حين تجابهه بعلاقة سابقة لها مع أحد الشبان .
_ كأن الأمر لا يعنيك .
-بل يعنينا كلانا . . أنا وأنت . . أنا أريدك أن تعترف بي كلاً لا يتجزأ ، لا مخلوقة يبدأ تاريخها منذ باركتها بنظرتك ، هذا حقي وما اختلقت قصة أختبر بها عمق حبك . .
-أما كنت تخشين أن تفقديني ؟
-أفقدك ؟ . . . إنك ظريف . . أنا أعلم أية دوافع جرت الواحد منا للآخر . . فلم النفاق ؟
-ألا تؤمن بأن الصراحة أقدر في ظرفنا – أو في ظرفي على الأقل – على بناء حياة لم تستملك من المقومات بعد إلا المظهرية .
-أنت قاسية .
-لا ألومك إذ تقول هذا . . الواقع إنني أعذرك .
-تعذرينني ؟
- كما أعذر الرجل الذي علق يافطات باسمه على الجهات الأربع للعمارة التي اشتراها ، إذ غاظه أن يرى الرسائل ترد للمستأجرين تحمل اسم المالك القديم " ( 30 ) .
إن الحوار في هذه القصة ، يبدو مقيداً ، ومثقلاً بالفكر ، ويشبه إلى حد بعيد مناظرة بين الشاب وخطيبته ، وهو يحمل أفكاراً مجردة ، في حين يفترض أن يحمل أفكاره و خطاباته من خلال ما تقدمه الشخصيات لا الكاتبة ، فالمرء هنا يستطيع أن يسمع صوت سميرة عزام في صوت الخطيبة بكل وضوح ، وكل حدة ، ودون اختفاء وراء ملامح الخطاب الأدبي .
الفصحى والعامية :
ما من شك أن النقاد أشبعوا الصراع بين الفصحى والعامية بحثاً ودراسة ، حيث ترجّحوا جميعاً بين ثلاث اتجاهات ، فضل الاتجاه الأول الفصحى لسهوله انتـشارها في الوطن العربي ، ولصون اللغة العربية بوصفها من أهم دعائم القومية العربية ، بينما فضل الاتجاه الثاني اللهجة العامية بوصفها إحدى وسائل الإيهام بالواقع الفني ، في حين رأى الاتجـاه الثالث حلاً وسطاً يتمثل في أن يجد القاص لغة فصيحة سهلة تناسب الشخصيات وتوهم بالواقع وتضمن إمكانية انتشار القصة في الوقت ذاته . ( 31 )
ومـن الواضح من خلال قصص سميرة عزام أنها لم تهتم كثيراً بهذا الخلاف ، فقد قدمت اللغة الفصحى واللهجة العامية ، دون وجود أسس واضحة لهذا الاختيار .
إن شخصيـة بطل " مؤهلات " ( 32 ) ، على سبيل المثال ، ليست شخصية مثقفة ، ولكنها تتحدث اللغة الفصحى في حوارها ، مما ينفي أن يكون اختيار اللهجة العامية قائماً على أساس مستوى الثقافة :
" – أولك أخوة ؟
-أجل اثنان .
-وأب ؟
- وأب ، أما أمي فقد ماتت ، وتزوج أبي غيرها " ( 33 ) .
على أن الكاتبة حين تستخدم اللهجة العامية تحرم قراءها الذين يعيشون بعيداً عن محيط القصة الجغرافي من فهم قصصها في بعض الأحيان . ففي قصة " سعد والديك " ( 34 ) التي تستخدم فيها الكاتبة العامية العراقية ، يجد المرء بعض الصعوبة في فهم هذا الحوار الذي يدور بين سعد الصغير وعائلته .
" هذا الديج مالي . . " صوغة " من جليلة . موتمام يوم ؟
ولكن إبراهيم الوقح لم ينصرف قبل أن يقول :
-عابت هيجة صوغة . " ( 35 )
وفي حوار آخر :
" – ماما خطية نذبح الديج خل دانربيه عدنا
ولكن أمه لم تقل شيئاً ، وتدخل إبراهيم فقال وهو يرتب الصحاف على المائدة :
-قابل تريد الحديقة تصير سيان من وصاخته ؟
-هذا مو شغلك ، هذا خوش ديج ما يوسخ " ( 36 ) .
وإذا كان كثير من القراء سيجدون هذه الصعوبة في بلاد الشام القريبة ، فإن الأمر سيغدو قريباً من الألغاز بالنسبة لقراء المغرب العربي ، وبهذه العامية تخسر الكاتبة كثيراً من قرائها . وكان في مقدورها أن تتخلص من هذا العائق ، وتستخدم لغة سهلة فصيحة للحوار ، تشبه اللغة التي تستخدمها في حوارات أخرى .
ثالثاً : الإيقاع القصصي :
لم تعنَ الدراسات النقدية القصصية كثيراً بالإيقاع القصصي ، بل إن الدراسات القليلة التي تناولت هذه الظاهرة بالدراسة على أهميتها ، ركزت على إيقاع العنصر السائد ، دون محاولة الكشف عن ظواهر إيقاعية ذات طبيعة لغوية وذهنية . ( 37 ) .
يعني الإيقاع " التكرار بالدرجة الأولى ( . . . ) ولكنه تكرار مقصود موظف لغايات نفسية وفكرية في العمل الفني ، فالإيقاع يضبط حركة المكان والزمان ( . . . ) وينظمها ويكسبها معنى جديداً . . . بعداً جديداً . . . أفقاً آخر عند كل تكرار . هذا التكرار إذا وظّف بدقة وإحكام يشكِّل إيقاعاً منتظماً يحمل إيحاءاً جديداً ومختلفاً بحسب الأثر الذي يتركه التكرار في كل مرة " ( 38 ) .
ويسبّـب تكرار عنصر ما من عناصر القص نوعاً من السيادة له ، وسيادة عنصر ما في القصة " تظهر للقارئ في شكل من الأشكال التالية : وهي سيادة الحوادث ، وسيادة الشخصية ، وسيادة البنية أو الجو ، وسيادة الفكرة ، ولا بد أن يخرج القارئ ، من القصة الناجحة ، وقد غلب على نفسه عنصر من هذه العناصر " ( 39 ) .
إضافة للتصور الذي يخلقه هذان التعريفان عن الإيقاع والعنصر السائد ، فإن هناك عنـاصر أخرى يمكن أن تكرر وأن تسود ، وإذا كان صاحب التعريف الأول ، وهو د. أحمد الزعبي يدرس هذا الإيقاع من خلال الموضوع والحدث والشخصية والزمان والمـكان فإن المرء يستطيع أن يضيف إيقاعين آخرين لا يقلان أهمية ، وهما إيقاع اللغة وإيقاع التناص .
1 ـ إيقاع الموضوع:
يشكل تواتر الموضوع نوعا من الإيقاع لا يمكن تجاهله ، ويمكن هنا أن ندرس إيقاع الموت
الذي يطغىعلى كثير من قصص الكاتبة مثل " أسباب جديدة " ( 40 ) و " هواجس " ( 41 )
و " الساعة والإنسان " (42 ) و " بائع الصـحف " ( 43 )و " في الطريق إلى برك سليمان " ( 44 ) وغيرها مما يدل على أن فكرة الموت كانت تؤرق الكاتبة وتسمم إيقاع حياتها بالقلق .. ولعل مردّ هذا إلى المرض الذي عانت منه الكاتبة ، وأدى في النهاية إلى موتها المبكر . من هنا يشعر المرء أن موضوع الموت من الموضوعات الأثيرة عند الكاتبة ، وذلك من خلال تواتر إيقاعه على مساحة قصصها .في قصة " هواجس " ( 45 ) ، مثلاً ، يبدو طغيان نزعة الموت من خلال مفرداته ، فالطفلة التي جاءت إلى ملجأ الأيتام ، مضطرة أن تذهب مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع مع رفيقاتها إلى بيوت الأموات ، وتلك هي الطريقة التي يحصل فيها الملجأ على نفقاته . فالموت يعني لدى هذه الطفلة ظلاماً ووجهاً شمعياً وصراخاً وبخوراً وتابوتاً ، بعد أن كان يعني لها حين تتذكر أمها الميتة نوراً وجمالاً ووجهاً ضاحكاً . وإن الترجح بين هذين القطبين لا تقدم له الكاتبة حلاً إلا الألفة ، فصديقة الطفلة التي جاءت إلى الملجأ قبلها تأكل وتنام ، بشكل طبيعي ، بينما لا تستطيع الطفلة / بطلة القصة ، أن تمارس حياتها الطبيعية . غير أن حالة الطفلة لن تـدوم ، لأنها ستصبح مثل صديقتها ، ويحل التواتر في إيقاع الموت بدلاً من الترجح بين قطبين متضادين . ولا يعني هذا أن هذا التضاد سينتهي لأن هناك دائماً قادمات جديدات إلى الملجأ .
2 – إيقاع الحدث :
يتشكل إيقاع الحدث من خلال بط ء حركة الأحداث أو سرعتها ، حيث يمكن أن يكون هذا الإيقاع سريعاً أو بطيئاً أو متنوعاً في القصة الواحدة ، وأظهر ما يكون هذا الإيقاع حيـن يسـود عنصر الحدث في قصة ما ، مثل قصة " لأنه يحبهم " (46 ) لسميرة عزام ، حيث يحتل الحدث موقع الصدارة .
في القصـة مجموعة أحداث أبرزها ( إيقاف وصفي بتهمة السرقة ، التحقيق مع صديقه ، رواية قصص المجرم والبغي والوغد ، التسلل إلى مركز التوزيع وإحراقه )
على أن هذه الأحداث الرئيسية ليست منتظمة في أداء إيقاعاتها الحدثية ، فثمة ثلاث إيقاعات لتقديم الحدث :
1 – تقديم الأحداث من خلال ما نعرفه من القاصة نفسها عن حدث يعيشه الراوي ذاته ، ويحقق للحدث إيقاعاً منخفضاً ، لأنه يتحدث عن حدث مضى ، لكنه يدخل داخل زمن القصة ، كما في إيقاف وصفي والتحقيق مع صديقه .
2 – إيقاف الحدث لتقديم إيقاع منتظم ، من خلال ثلاث قصص تقع قبل زمن القصة ، وهي قصص المجرم والبغي والوغد التي يرويها البطل كي يسوّغ إحراقه المركز .
3 – ارتفاع الإيقاع الحدثي في التسلل إلى المركز وإحراقه حيث يتحرك نبض القارئ مع خطوات البطل الذي جاء يحرق لقمة الذل ، وهنا يصبح إيقاع الحدث من أغنى الإيقاعات الحدثية في قصص عزام كلها .
3ـإيقاع الشخصيات :
إن الحركتين الداخلية والخارجية للشخصيات يمكن أن تخلقا ، من خلال ارتباطهما بالحدث والزمن والمكان ، إيقاعات متنوعة ، خاصة في الشخصية الرئيسية بوصفها أكثر الشخصيات تطوراً وتغيراً ، مما يترك المجال واسعاً أمام توترها النفسي والجسدي .
وتقدم الكاتبة من خلال قصة " أشياء صغيرة " ( 47 ) مثالاً بيناً لهذا الإيقاع إذ تخلق الشخصية مكانها الخاص وزمنها الخاص ، بحيث يختلفان عما كانا قبل ذلك ، فعلى صعيـد المكان انتقلت الفتاة بالحب ، من سيارة الأجرة ودار الكتب ومحل بيع المرطبات إلى الفضاء ، حيث لا نأمة ولا صوت إلا صوت أقدامها ( هي وحبيبها ) على الحشائش ، وعلى صعيد الزمن حطمت الفتاة زمن عمتها وأمها ، ومجتمعها ، ولجأت إلى زمنـها الخاص الذي خلقته ، وهذان الاختلافان في الزمن والمكان يوازيان الحركتين الداخلية والخارجية للشخصية .
4 - إيقاع الـزمن : يمكن من خلال سيادة الزمن على عناصر القص الأخرى أن يشكـل إيقاعاً جلياً يمكن أن نلمسه بسهولة ، مثل هذا الإيقاع يتضح ، بالإضافة إلى إيقاع المكان ، من خلال تمزق القصة الفلسطينية والوجود الفلسطيني ، بين زمن الذكريات وزمن اللجوء ، ونستطيع أن نتابع مثل هذا الإيقاع في قصة " في الطريق إلى برك سليمان "( 48 )لسميرة عزام ، حيث يتدفق الماضي في نفس البطل من بين أنياب الحاضر ، ويبدوغير مكتمل ، وغير ناضج تماماً بسبب غياب المستقبل من عناصره ، وهو الزمن ، الذي لم منه إلا الضياع ، حيث يبدو تشكيل إيقاع الزمن على الشكل التالي

الماضي الحاضر المستقبل
الجيل العربي الهرب الضياع
البيت المشدود بكرامة الخزي ؟
شجرة اللوز الموت -
5 – إيقاع المكان :
وهو إيقاع متكرر بشكل كبير في قصص سميرة عزام ، وفي القصص الفلسطينية الأخرى عموماً ، حيث تظل مساحة الوطن ، أكير من مساحة المنفى مهما اتسعت مساحات هذا المنفى ، في قصة " زغاريد " ( 49 ) يكون الصراع الحقيقي هو صراع الأمكنة ، صراع الداخل المحتل ، والخارج الذي هدرت كرامته ، في هذه القصة تجتهد الأم في نقل عرس ابنها ، في خيالها ، من بيروت إلى يافا ، إذ لا تستطيع أن تصل إليه ، أو يصل إليها ، بسبب الحدود التي وضعها تجار السياسة ، حيث تتقابل الأمكنة، ضمن علاقة التضاد ، على الشكل التالي :
بيروت تضاد يافا
الوحدة الاجتماع
الهيكل
( جميل يمسك بيد عروسه ويذهب إليه )
الكنيسة كنيسة الخضر
( نكراء ) ( تنتصب بجلال )
__ باحة الكنيسة
6ـ إيقــاع اللغـــة :
أ ـ إيقاع المفردات : لا يحتـاج اكتشاف إيقاع المفردات إلى كثير من الجهد ، فتكرارها على مساحة النص القصصي ، يضيف إلى المفردة معنى جديداً عند كل تكرار ، فكلمة النافذة ،مثلاً التي تستخدمـها الكـاتبة عدة مرات في قصة " أطفال الآخرين "( 50 ) تؤدي في كل مرة تتكرر فيها معنى آخر ، فقد وردت هذه الكلمة في السياقات التالية :
- “ ويقف بجوار زوجته على النافذة المطلة على روضة الأطفال “ ( 51 ) .
- “ في الساعات التي يغيب فيها عن البيت تكون هي على النافذة “ ( 52 ) .
- “ وكم من مرة احترقت الطبخة وهي لاهية عنها على النافذة “ ( 53 ).
- “ سيختنق بالغصة كلما رآها تطل من النافذة “ ( 54 ) .
- “ هذه النافذة ستعذبه كثيراً “ ( 55 ) .
- “ وكلما أسرفت في إلحاحها فكر في أن يقوم لا ليتفرج بل ليغلق النافذة ) ) (56)
- “ ومد يديه إلى مصراع النافذة يهم بإغلاقه “ ( 57 ) .
- “ لم يرتدَّ عن النافذة “ ( 58 ) .
- “ وابتعد عن النافذة . . . وخلاها مفتوحة للصغار . . والأمل “ ( 59 ) .
إن الإيقاعات التي تخلقها هذه المفردة هي إيقاعات مختلفة ( إيقاعات التردد والعذاب والأمل إن كان هناك سياقان يحملان العذاب وآخران يحملان التردد ، فإن ثمة خمسة سياقات أخرى تحمل الأمل الذي يتوج نهاية هذا الصراع ، ليكون هو الإيقاع الأخير الذي تتركه القصة في نفس القارئ .
ب- إيقاع التراكيب :
تستخدم الكاتبة إيقاع التراكيب بوصفه لعبة لفظية تسمح للنص أن يقول جملة مكرورة ذات دلالات متعددة ، لا تقف وظيفتها على إحداث نوع من التواتر الموسيقي الناجم عن التكرار ، وإنما تتعداه لتصبح لها وظيفة خطابية أيضاً .
في قصة " مؤهلات " ( 60 ) التي يرفض فيها أهل الصبي ذي العاهة ، أن يطبِّب ابنهم مجاناً ترد السياقات التالية :
-كان " يعرض عاهته على الناس بصوت يتفنن في تلوينه بمسحة حزن وهو يقول : خمسة قروش ياسيدي أفطر بها ، خمسة قروش لغذائي ، ألا ترى يدي العاجزة ؟" ( 61 ) .
- " ماذا تريد مني يا سيدي ؟ إنني لم أطلب منك أن تحملني في السيارة ، لقد رجوتك أن تمنحني خمسة قروش لأفطر . . إنني . . وطمأنت جزعه بليرة كاملة " ( 62 ) .
" لا فائدة يا سيدي ، دعني وشأني ، أو أعطني إذا شئت ( ليرة ) أتعشى بها " ( 63 ) . إن هذه الاقتباسات التي تبدو متشابهة في شكلها العام ، مما يولد إحساساً إيقاعياً ، تختلف في حقيقتها في أمر مهم .
فالقروش الخمسة في الاقتباس الأول هي ديدن هذا الفتى العاجز في الطلب ، أما الاقتباس الثاني فهي شيء غير عادي بالنسبة له ، على أن الطبيب حين يعطيه ليرة ثانية قبل أن يودعه يجعله يفكر في أن هذه الليرة إمكانية مستمرة ، لذلك ينوع الولد في لغته التي اعتادها ، وتنوع الكاتبة في الوقـت ذاته في الأداء الإيقاعي للاقتباس الأخير .
7- إيقــاع التنــاص :
يحدد التناص شكل العلاقة التي يقترحها المبدع بين نصه وبين مقتبسات سابقة ، تراثية أو أدبية أو ثقافية أو أسطورية ، ويمكن لهذه العلاقة أن تنشئ شكلاً من أشكال الإيقاع الذي لم يهتم فيه النقاد العرب ، في حدود ما نعلم ، اهتماماً يذكر ، إذ قصر هؤلاء اهتمامهم على التناص بوصفه علاقة ذات رؤى دلالية بين نص مكتوب وآخر محفوظ ، ولم يلتفتوا إليه كظاهرة إيقاعية ذهنية ينشئها القارئ بين ما يقرأه ، وما تستدعيه قراءته من مخزون الذاكرة .
ويمكن أن نشير إلى إيقاع التناص في قصص عزام من خلال ما يلي:
أـ التناص التراثي : يبرز هذا التناص بشكل واضح عند الكاتبة إذ تقيم ايقاعاته بشكل دائم ، علاقة بين الوجدان الجمعي ، والسياق القصصي ذي البعد التراثي ، ويمكن في هذا المجال أن نشير إلى تقاطع مقولة " الله لا يسمع من السـاكت " مع السياق القصصي التالي :
" ما إن أبصر ( أبوه ) الرزمة على حالها حتى انهال عليه ضرباً وركلاً وصياحاً . . ألا تنادي أيها الخائب ؟ . . أوَ يسمع الناس من الساكت " ؟. . الجريدة كالخبز . . لا يريدها الناس إلا طازجة " ( 64 ) .
ب ـ التناص الثقافي :
ويعتمد هذا التناص في تشكيل إيقاعه على إثارة التشابه بين نص الكاتبة ، والرصيد الثقافي الذي تستدعيه عند الملتقي ، وقد أشرنا في موضع سابق من هذا الفصل إلى أن كيفية استدعاء الرصيد الثقافي لا تكون عبر اللغة الجافة .
جـ – التناص الديني :
وتبـدو استفادة سميرة من إيقاع هذا التناص هي الأكثر ظهوراً في قصصها ، ويعتمد تناصها على الديانتين المسيحية والإسلامية ، ويمكن أن نشير إلى التناص مع الثقافة الدينية المسيحية من خلال استدعاء صورة المسيح في قصة " خبز الفداء " ( 65 ) حيث يقدم رامز قصة افتداء الحياة بالجسد بالدم :
" ثـم يحضر الأرغفة . . وحين تمتد يده لتفك الصرة سيحكي لهم قصة عتيقة تعرفها هذه الأرض ويعيها ناسها . . قصة افتداء الحياة بالجسد والدم . . ثم يحمل خبزاتها ، وبكل الجو الشعائري الذي يقدم به كاهن كنيسة شرقية خبز المسيح سيقول لهم : " كلوا هذا هو جسدي وهذا هو دمي فاشربوا " ( 66 ) .
ولم يقتصر استلهامها من التراث الديني على الدين المسيحي فقط ، بوصفها مسيحية ، بل كانت هناك إيقاعات تعتمد على التنـاص الديني الإسـلامي يمكن كشف بعضها في قصة " الساعة والإنسان " ( 67 ) حيث يصيح المؤذن " الصلاة خير من النوم " ( 68 ) فتتولد في نفس القارئ المهابة ، ويقفز إلى ذاكرته جلال الأذان في مساجد المسلمين ، ومثل هذا التذكر هو في حقيقته إقامة تكرار ذهني بين المحفوظ والملفوظ ، وما هذا إلا أحد أنواع الإيقاع القصصي الذي اجتهدت الكاتبة في تحصيله كما اجتهدت في محاولة إتقان غيره من عناصر اللغة القصصية الأخرى ، كالسرد والحوار .

$ $ $















هوامش:
( 1 ) صالح ، د . فخري : القصة الفلسطينية القصيرة في الأراضي المحتلة ، اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين ، فرع عمان ، دار العودة ، بيروت ، ط1 ، 1982 ، ص 16 .
( 2 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ، ص ص 119 – 124 .
( 3 ) المصدر نفسه ، ص 121
( 4 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 55 – 63 .
( 5 ) المصدر نفسه ، ص 60 .
( 6 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 107 – 116 .
( 7 ) المصدر نفسه ، ص 114 .
( 8 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ، ص ص 95 - 103 .
( 9 ) المصدر نفسه ، ص 103 .
( 10 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 27 – 29 .
( 11 ) المصدر نفسه ، ص 30 .
( 12 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ص ص 5 – 25 .
( 13 ) المصدر نفسه ، ص 34 .
( 14 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 23 _ 33 .
( 15 ) المصدر نفسه ، ص 31 .
( 16 ) نفسه ، ص31 .
( 17 ) نفسه ، ص ص 45 – 54 .
( 18 ) نفسه ، ص 51 .
( 19 ) نفسه ، ص ص 95 – 103 .
( 20 ) نفسه ، ص 103 .
( 21 ) للاطلاع على وظائف الحوار يمكن النظر في :
ـ مريدن ، د . عزيزة : القصة والرواية ، دار الفكر ،دمشق ،1980ـ ص ص 53 ـ 54 .
( 22 ) المرجع نفسه ، ص 53 .
( 23 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ص ص 99 – 106 .
( 24 ) المصدر نفسه ، ص 103 .
( 25 ) نفسه ، ص ص 49 – 58 .
( 26 ) نفسه ، ص 55 .
( 27 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 67 – 77 .
( * ) هكذا في الأصل والصواب ثلاث ولادات .
( 28 ) المصدر السابق ، ص ص 71 – 73 .
( 29 ) المصدر السابق ، 117 – 128 .
( 30 ) المصدر السابق ، 126 – 127 .
( 31 ) لزيد من التفاصيل في هذه الاتجاهات تمكن مراجعة :
ـ مريدن ، د. عزيزة : القصة والرواية ، مرجع سابق ، ص ص 55 – 60 .
( 32 ) سميرة عزام : وقصص أخرى ، ص ص 105 - 113 .
( 33 ) المصدر السابق ، ص 111 .
( 34 ) نفسه ، ص ص 33 – 43 .
( 35 ) نفسه ، ص 38 .
( 36 ) نفسه ، ص 39 .
( 37 ) حول كيفية الدراسة التطبيقية للإيقاع القصصي تمكن مراجعة :
-الزعبي ، د. أحمد : في الإيقاع الروائي ( نحو منهج جديد في دراسة البنية الروائية ) دار الأمل ، عمّان ، 1986 .
ـ عودة ، ثائر : الفلسطيني – دراسة في أبنية الإيقاع الروائي ، مجـلة النـافذة ، بـيروت ، العدد 7 – 8 ( مزدوج ) – 1991 ، ص ص 139 – 145 .
( 38 ) الزعبي ، د. أحمد : في الإيقاع الروائي ( نحو منهج جديد في البنية الروائية، مرجع سابق ، ص 8
( 39 ) نجم ، د. محمد يوسف : فن القصة ، مرجع سابق ، ص 15 .
(40 ) عزام ، سميرة: الساعة والإنسان ، ص ص 41 – 51 .
(41) – عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 5 – 11 .
(42 ) – عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ، ص ص 27 – 40.
( 43 ) – عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 91 – 97.
( 44) – عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 23 – 32 .
(45 ) – المصدر نفسه ، ص ص 5 –11 .
( 46 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ص ص 5 – 25 .
( 47 ) عزام ، سميرة : أشياء صغيرة ، ص ص 5 – 15 .
( 48 )عزام،سميرة :وقصص أخرى ص ص 23 ـ 32.
( 49 ) عزام ، سميرة : الظل الكبير ، ص ص 47 – 54 .
( 50 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 115 – 126 .
( 51 ) المصدر نفسه ، ص 118 .
( 52 ) نفسه ، ص 118 .
( 53 ) نفسه ، ص 119 .
( 54 ) نفسه ، ص 123 .
( 55 ) نفسه ، ص 124 .
( 56 ) نفسه ، ص 125 .
( 57 ) نفسه ، ص ص 135 .
( 58 ) نفسه ، ص 126 .
( 59 ) نفسه ، ص 126 .
( 60 ) نفسه ، ص ص 105 – 113 .
( 61 ) نفسه ، ص 109 .
( 62 ) نفسه ، ص 110 .
( 63 ) نفسه ، ص 113 .
( 64 ) عزام ، سميرة: أشياء صغيرة ، ص 95 .
( 65 ) عزام ، سميرة : وقصص أخرى ، ص ص 73 – 93 .
( 66 ) المصدر نفسه ، ص 92 .
( 67 ) عزام ، سميرة : الساعة والإنسان ، ص ص 37 – 40 .
( 68 ) المصدر نفسه ، ص 30 .