لكل الناس وطن يسكنون فيه، أما نحن فلنا وطن يسكن فينا

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

قصص قصيرة جداً: من دفتر المحبة

من دفتر المحبة

د. يوسف حطيني



1 ـ ابن فرناس
قال لها ذات لقاء: تشبهين شجرة أتفيأ في ظلها الوارف، ودّعته وعلى شفتيها بقايا ابتسامة غامضة.
حين غابت الشمس، ضاع ظلها، وصار ثوبها مثل جناحين، وعندما حاول أن يلحقها اكتشف أنه لا يحسن الطيران.
2000

2 _ رجولة
ينتابه في بعض الأحيان شعور أنه رجل، خاصة حين يمسد شعر طفلته الأشقر، وحين يساعد زوجته المريضة في أعمال المنزل، ويحمل إلى سريرها طعام الإفطار، ولكن الشعور بالرجولة يزول تماماً حين يصل إلى المدرسة، ويعاقب الأطفال.
1996


3 _ نانا
دائماً تضع على قميصه وردة قلبها المتفتحة، وذات مرة حين وضع وردة قلبه الذابلة على بستانها الأخضر تحولت حياته إلى ربيع.
1991

4 ـ فراق
لمى تحب الورد كثيراً، ربما أكثر من الخبز والسنابل، أبشع جريمة يرتكبها الإنسان في نظرها أن ينزع وردة من حضن أمها.
لسوء حظها فقد كان حبيبها يحب الورد أيضاً.
حين قدم لها وردة حمراء تضرج خداها، ليس من الخجل طبعاً، وقررت أن …

1999
5 ـ هو وهي
وصلا إلى باب المكتبة، واكتشفا في اللحظة الأخيرة أن كلا منهما قد نسي أن يحضر البطاقة.
هو اقترح عليها أن يعودا في اليوم التالي.
هي اقترحت أن يدخلا مثل لصّين من باب الموظفين.
هو،حين دخلا بناء على اقتراحها، طلب شاياً وراح يفكر : ماذا لو طلب منا أي شخص هوية المكتبة. أما هي، فراحت تتحدث بتلقائية عن الشعر والحياة.
خلال خروجهما من باب القراء، بناء على اقتراحها أيضاً، يضطرب، ولكن الأمور تسير بسلام، وإذ يراقب صرصاراً تدهسه سيارة، يكتشف (هو) بسعادة أنه ما زال على قيد الحياة.
2000
6 ـ كاشف
كل ليلة في الثانية عشرة تماماً يرنّ جرس هاتفها، يؤنس وحدتها بعد أن غادرها زوجها إلى دار الأبدية.
كانت تنزعج منه في البداية، ولكنها ألفت الأمر ليلة بعد أخرى حتى صار جزءاً عزيزاً غالياً من حياتها:
ترفع السماعة، يأتيها صوت فيروز: "وحدُن بيبقوا متل زهر البيلسان". وقد أسعدها أن صاحب الاتصال المجهول لا يغلق سماعته قبل انتهاء الأغنية.
حين زارتنا تكنولوجيا كشف رقم المتصل لم تكن تعرف أن عاشق الليل سيكفّ عن الاتصال.
لعنتْ أبا التكنولوجيا.. ونامت على وسادتها وهي تحلم بأغنية وعاشق مجهول وزهرة بيلسان.
7 ـ أسباب أخرى
أحبّ عبد الله شعر الغزل، أما عفراء فقد أحبت أن تنجح في الثالث الثانوي.
ينسى عبد الله كل ما يقوله المدرّسون في الدورة المسائية، ولكنه لا ينسى أبداً أن يكتب لصديقته المجهولة في الدوام الصباحي شعراً معطّراً على مقعدهما المشترك، وفي كل مرة يجيئه الردّ قاسياً.
كتب لها في المرة قبل الأخيرة:
"فلا تخشي الشتاء ولا قواه
ففي شفتيك يحترقُ الصقيعُ"
وحين كتبت له: اخرسْ
قرر أن يكتب لها رسالته الأخيرة:
"لأن حبي لك فوق مستوى الكلامْ
قررتُ أن أصمت .. والسلامْ."
2000
8 - قارئة الفنجان
أشرق وجهها، وهي تنظر إلى فنجان القهوة، قالت له: ستسافر.. أرى في فنجانك طائرة تجوب الفضاء، وبشيء من الحزن الطفيف أضافت: سأفتقدك ولكن.. لن نقف في طريق مستقبلك.. يا الله ما أسرع الأمنيات إلى التحقيق، فقد وجد نفسه، حقاً، كما توقّعتْ في الطائرة، وراح يبتسم للمضيفة ويتخيل كيف سيكون الاستقبال الحافل الذي أُعدّ له، والدراهم والريالات والدنانير التي سوف يجنيها، وأخيراً وصلت الطائرة، ولكنها لم تجد مطاراً تنزل فيه، ولم يكن أمام القبطان من خيار سوى العودة به إلى فنجان القهوة من جديد.
2000